ابن القرية

كتبه المستشار ـ محمد بن سعيد أبوهتله
في زمنٍ تتسارع فيه الخطى، وتضيع فيه التفاصيل الصغيرة تحت ضجيج الحداثة، لا بد لنا أن نعود إلى الجذور، إلى أولئك العظام الذين صنعوا المجد بصمت، وخطّوا صفحات من التضحية في ذاكرة الوطن، دون أن تُسجَّل أسماؤهم على جدران العواصم، بل خُطّت على جدران القلوب.
هذا المقال الثالث في سلسلة “ابن القرية”، لا يأتي مجرّد سردٍ لماضٍ بعيد، بل هو امتداد لصوتٍ وجد صدىً في النفوس، لحنٌ صدَّقه الناس لأنّه يشبههم، ولأنّ أمهاتنا حين حملن همّ الأسرة، حملن معه الوطن بأسره، دون أن يتذمرن أو يطلبن مقابلاً، سوى أن ينشأ أبناؤهن على الكرامة والإباء.
هنا، نقرأ رسالة من قلبٍ تفاعل مع المقالين السابقين، ومثلها عشرات الرسائل، لكنها اختزلت المشاعر جميعًا، فكانت أصدق تعبير، وأجمل وفاء .. من شخصٍ مثقف يشعر بمعاناة الأمهات، كتبها حبرًا من داخل جوفه، وصدقًا من مشاعره، وهو الشيخ الفاضل المثقف الأخ سعود بن سعيد بن دليم- وفقه الله- ، وقال:
سعادة المستشار / محمد بن سعيد أبوهتله، أسعد الله محياك السمح برضاه، وبارك في عمرك وجهدك.
حقيقةً، كلمة “شكرًا” لا تفيك حقك على هذا الطرح الرائع، والسرد القصصي الأروع، بكل بساطة وتلقائية، لنقل الصورة الحقيقية لتضحيات ومعاناة أمهاتنا والمرأة بصفة عامة، في زمنٍ كان طابعه الكد والمعاناة، وصعوبة الحياة، وشظف العيش، وضيق ذات اليد.
مستشارنا، حديثك يلامس الذاكرة، ويستحضر صورًا لنساء عظيمات تحمّلن مسؤوليات جسامًا، وشاركن الرجال النضال والكفاح بكل مسؤولية وإتقان، دون كلل أو ملل، ودون انتظار جزاء أو شكور، بل بدافع داخلي من الإحساس بالواجب، ومن منطلق: (يابه، ما أحد أحسن مني)!!
ويعلَق بالذاكرة، ويلفت الانتباه، تدبيرهن المنزلي العجيب، مثل إدارة احتياجات البيت من (السوق إلى السوق): ((عندنا الاثنين، وعندكم الأحد))!
(((وهنا يرمز بن دليم إلى سوق الاثنين بمحافظة الحرجة، وسوق أحد رفيدة بمحافظة أحد رفيدة))).
وحرصهن العجيب – رغم عدم حصولهن على شهادات جامعية – في فنون التدبير المنزلي، فقد كنّ يرعين الأسرة، والضيف، والمحتاج، ويُخفين للطوارئ بحكمة بالغة، وهو ما نعدّه اليوم مخزونًا استراتيجيًا للمنزل للظروف الطارئة.
وقد أشرتَ مشكورًا إلى رعايتهن وتربيتهن لأبناءٍ أصبحوا اليوم أطباء، ومهندسين، وأساتذة، ومديرين، رغم أمِّيتهن، في مشهدٍ يدعو للفخر والاعتزاز.
ما كتبته ليس سوى غيض من فيض، لصور مشرقة لنساء ماجدات، نستحضرهن بكل محبة وتقدير.
مستشارنا، تقبّل تعليق أخيك المتواضع، جزاك الله خيرًا على ما قدّمتَ من صورةٍ ناصعة لتاريخ عظيم.
دمت في ودّ الودود…