الخوف يسرق الحياة: اخرج من منطقة راحتك الآن!

بقلم ـ خليل إبراهيم القريبي
"الخوف لا يمنع الموت، ولكنه يمنع الحياة" قول حكيم للأديب الكبير نجيب محفوظ، يلامس جوهر تجربتنا البشرية. كم مرة وجدنا أنفسنا متشبثين بما هو مألوف، خائفين من القفز إلى المجهول؟ هذا التشبث بالأمان المفرط ليس حصنًا يحمينا من تقلبات الحياة، بل هو سجن يحرمنا من عيشها بكل ما فيها من فرص للنمو والتطور، فالحياة الحقيقية، والنمو الدائم، والازدهار الحقيقي، كلها تكمن خارج حدود تلك المنطقة المريحة، وقد يكون الأمر أشبه بالبقاء في معرض فني للتحف القديمة، حيث أنت قطعة فنية تتجمد ببطء، وتخشى أن يمسك بها الغبار.
غالبًا ما نسعى جاهدين لبناء "مناطق آمنة" في حياتنا، سواءً في العمل أو في علاقاتنا الشخصية، هذه المناطق، التي تبدو جذابة ومريحة في البداية، تتحول ببطء إلى قيود تُكبِّل إمكاناتنا وتخنق أي بذرة للنمو. عندما يصبح الروتين هو سيد الموقف وتغيب التحديات، فإننا نقع في وهم النمو، وقد نشعر بالرضا المؤقت، لكن في الحقيقة، نحن نتجمَّد في مكاننا، نفقد مرونة التكيف والقدرة على الازدهار في عالم دائم التغير، وكأنك تعيش في فقاعة صابون وردية، تبدو جميلة من الداخل، لكنها تمنعك من رؤية العالم الحقيقي بجماله وتحدياته.
الراحة المطلقة يا صديقي ليست هدفًا محمودًا ، بل هي فخ، فعندما نصبح مرتاحين تمامًا ، نتوقف عن التساؤل، عن البحث، عن تجاوز حدودنا، يصبح روتيننا حاجزًا بيننا وبين اكتشاف قدراتنا الكامنة. ببساطة، إذا كنا مرتاحين تمامًا، فإننا لا نتطور، أو ربما نتحول إلى "خبير" في عدم فعل شيء، وهو لقب قد لا يضيف الكثير لسيرتك الذاتية، فالتطور الحقيقي يكمن في مواجهة المجهول، في خوض التجارب الجديدة، حتى تلك التي تبدو مخيفة في البداية.
النمو الفعلي يبدأ حيث ينتهي شعورنا بالأمان، إنه ينبثق من قلب التوتر الإيجابي، من الحاجة إلى التكيف والتغلب على العقبات. عندما نخرج من مناطق راحتنا، نكتشف جوانب جديدة في شخصيتنا وقدرات لم نكن نعلم بوجودها، قد يكون الأمر غير مريح في البداية، وقد نصادف بعض الإخفاقات، ولكن في كل تجربة نتعلم وننمو، ونصبح أقوى وأكثر مرونة. تذكَّر، حتى أروع اختراعات العالم لم تخرج من منطقة الراحة، بل من مغامرات جريئة وتجارب فاشلة (لمرة أو ألف!).
فكِّر في الأمر: ما هي الخطوة الصغيرة التي يمكنك اتخاذها اليوم لتكسر بها حاجز الراحة وتطلق العنان لإمكانياتك الحقيقية؟ وإياك أن تتحول إلى قطعة أثرية يزورها أحفادك في متحف "الحياة التي لم تُعش".