|

المبتعثون: مهندسو الأثر السعودي المستدام

الكاتب : الحدث 2025-05-25 11:31:58

بقلم د. بجاد بن خلف البديري 

يتجاوز دور الابتعاث السعودي مجرد كونه برنامجًا تعليميًا يهدف إلى تحصيل الشهادات العليا؛ فهو استثمار استراتيجي بعيد المدى في رأس المال البشري، فالمبتعثون ليسوا مجرد طلاب، بل هم كفاءات وطنية تُصدِّر الخبرات والمعرفة، مُحدثين بذلك أثرًا مستدامًا يمتد ليشمل الأبعاد الفردية، المجتمعية، والوطنية، وهذا التحول النوعي في الكفاءات يُشكل قوة دافعة لا تقتصر على حدود الوطن، بل تمتد لترسم صورة المملكة المشرقة والإيجابية في أنحاء العالم.

يعود المبتعثون إلى وطنهم ليس فقط بمعارف متقدمة في تخصصاتهم الدقيقة، بل أيضًا بمهارات نوعية أساسية، تتضمن التفكير النقدي، والقيادة، ومهارة التكيف مع الثقافات المتنوعة. هذه التجربة الثقافية الغنية توسع مداركهم، وتصقل شخصياتهم، وتُعدُّهم ليكونوا قادة المستقبل ومواطنين عالميين بامتياز، فيساهمون في نقل الخبرات والممارسات العالمية الحديثة إلى بيئات عملهم المحلية، مما يرفع من مستوى الأداء في مختلف القطاعات، ويُحفز الابتكار وريادة الأعمال. الكثيرون منهم يتحولون إلى رواد أعمال أو قادة مشاريع رائدة، مستفيدين من رؤاهم المكتسبة لإنشاء شركات ناشئة أو تطوير مبادرات جديدة تساهم في خلق فرص عمل وتنويع الاقتصاد الوطني.

كما يلعب المبتعثون دورًا حيويًا كسفراء غير رسميين للمملكة في الخارج، من خلال تمثيلهم الإيجابي للثقافة والقيم السعودية الأصيلة، وعبر إسهامهم في تعزيز الصورة الذهنية للمملكة على الساحة الدولية، حيث يبنون جسورًا من التواصل والتفاهم بين الشعوب، ويساهمون كذلك في بناء القدرات المحلية وتعزيزها، مما يقلل من الاعتماد على الخبرات الأجنبية، ويعزز الاستقلالية والكفاءة الوطنية، ويرفع من التنافسية الاقتصادية للمملكة على الصعيد العالمي في مختلف المجالات.

لتجسيد هذا الأثر العظيم على أرض الواقع، تبرز قصة أخي ورفيق دربي، الدكتور ناصر البديري، استشاري جراحة الأنف والأذن والحنجرة والرأس والعنق، كأحد المبتعثين السعوديين المتميزين في كندا، والذي لم يكتفِ بالتفوق الأكاديمي والمهني البارز، بمهنيته العالية وأخلاقه السمحة، فأصبح بالفعل رسول معرفة وسفيرًا للإنسانية في المجتمع الكندي، ودليل هذا الإشادات التي يتلقاها من زملائه الأطباء الكنديين، بفضل مساهماته الفاعلة في تعليمهم وتدريبهم ونقله للخبرة إليهم، وهي مؤشر قاطع على الأثر العميق والدائم الذي يتركه. الدكتور ناصر هو مثال حي ومشرق لكيف يجسد المبتعث السعودي قيم التميز، والإتقان، والرحمة، مُزرعًا بذلك أثرًا طيبًا ومستدامًا في قلوب من حوله، وُمثبتًا أن الدعم الوطني لبرامج الابتعاث هو استثمار حقيقي يثمر كوادر وطنية قادرة على الإسهام عالميًا وتشكيل مستقبل مشرق للمملكة.

الابتعاث هو استثمار طويل الأمد يمتد أثره ليشمل كافة جوانب التنمية المستدامة، من بناء الإنسان وتطوير المعرفة إلى تعزيز الاقتصاد والمكانة الدولية، والمبتعثون هم بحق مهندسو هذا الأثر العظيم، وهم دعائم أساسية لتحقيق رؤية المملكة الطموحة.