العابرون في حياتنا ..

بقلم ـ عبهر نادي
-----------------------
بدا المشهدُ هكذا ..!
وكأنني أقف على رصيف محطة قطار، أُمسك في يدي تذكرة إنتظار، وأحدّق في الأفق بعينين أنهكهما الترقّب. لم يكن قطاري المقصود قد حان بعد، لكن القطارات الأخرى كانت تمرّ، واحدًا تلو الآخر، تحمل وجوهًا أحببتها، وأخرى خذلتني. وجوه لا تزال تسكن القلب، وأخرى صارت غبارًا في ذاكرة الوقت.
بدا لي وكأن كل عربة من تلك القطارات تحمل مرحلة من حياتي. بعضها مُثقَل بألم الفقد حين سرق الموت مني أحبابًا لا يُعوَّضون، وبعضها مرّ بذكريات خذلان ووعود لم تُوفَ. وفي عربات أخرى، كانت الضحكات تسكن، وأرواح أزهرت قلبي ثم غابت بهدوء ..
أحيانًا ! تكون حياتنا الماضية مزدحمة بالخسارات التي تُثقل القلب بما لا يُقال، وتترك في الروح ظلالًا لا تزول. لكن تبقى رحمة الله هي العوض الأجمل، تنزل علينا برفق، فتتسلل الطمأنينة إلى القلب دون ضجيج، ويأتي الجبر بعد الانكسار ..
وأنا أستعرض قطارات العمر، أيقنتُ أن لا أحد يعبر دون أن يترك شيئًا. فمن مرّ وآلمك او ابكاك علّمك كيف ترمّم نفسك، ومن عبر وأبهجك، زرع فيك بذرة الفرح، وأثبت لك أن السعادة ممكنة وإن كانت عابرة ..
اليوم ! أنا لا أعُد الخسائر، بل أُعِدّ العدة للنجاة… نجاتي لنفسي وإليها. نجاتي من كل من آذاني، ومِن كل من مرّ وعلّمني الصبر .شكرًا لمن عبروا قلوبنا برفق، دون استئذان، ولامسوا أرواحنا ثم مضوا، وشكرًا اكثر لمن اختاروا البقاء معنا ومنحونا ألوان الحياة دون الحاجة إلى حروف ..
شكرًا لمن جبروا قلوبنا بما لم تفعله الكلمات. فالحياة ليست بمن عبر فقط .. بل بمن ترك أثرًا لا يُمحى، وكان وجهًا جميلاً للعوض ..
العابرون قد يأتون بلا موعد، ويرحلون بلا وداع… لكن العوض من الله، دائمًا يأتي في الوقت الأجمل .
فسلامٌ عليكم ايها العابرون اينما كنتم ، فقد انتهى المشهد ولكن الصدى باقٍ في عمق النفس .