تفكروا وتمعنوا .. ‼️

كتب : د/سلمان الغريبي
---------------------------------
في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة التغيرات و تمر فيه الأيام مُسرعةً كومضة البرق في السماء ، وشعلة النار في الهشيم ..!
فتفكروا وتمعنوا يارعاكم الله ..!
وفي - تلك الأيام نداولها بين الناس - وهي سريعة غريبة وكأنها ساعاتٌ وثواني ..!
فبالأمس بدأ اطول عامٍ دراسي يَمر على التعليم بثلاثة فصول دراسية وأربعة فصول سنوية ببردها وحرها ودفئها وعانى منه الجميع آباء وامهات وطلاب وطالبات ومعلمين ومعلمات من طول فصوله وغرابة إجازاته وتنظيماته وتوقيتاته وأيامٌ وينتهي .. ويعود مسرعاً وكأنه لم ينتهي ..
وجاء رمضان ومن بعده عيد الفطر وانقضى ولبسنا فيه اجمل الثياب واجتمعنا ولعبنا واكلنا فيه من كل ما لذ وطاب من لحوم ودبيازة وحلويات حلقوم ولوزية وشكولاتات وطبطاب الجنة والمن والسلوى وانتهى ..
ثم جاء الحج وبعده العيد الأكبر ، عيد الأضحى ، فحج من حج ودج من دج وصام عرفة من صام وضحى من ضحى وانتهى ..
ناهيك عن السنة بأكملها وكأنها بالأمس بدأت وهاهي تقترب اليوم من الرحيل مُعلنة ببداية عام جديد ، كل هذا و إنتهى ومضى وكأنه بالأمس كان وهو من أعمارنا محسوب عند رب معبود في كتابٍ مكتوب وبالقلم مخطوط ، فمات في هذا العام من مات رحمهم الله جميعاً واسكنهم فسيح جناته ، وتزوج من تزوج وفقهم الله وبارك لهما وعليهما ، وانجب من أنجب بارك الله فيهم و لهم وانبتهم نبات حسناً ، وسافر من سافر ورجع بالسلامة بحفظ الله ورعايته ، ومرض من مرض وشافاه الله وعافاه ، ناهيك عن المشاكل اليومية والحروب التي نصادفها كل يوم وليلة ومرت علينا كلمحةِ بصر ، فمنا من استوعب واستفاد وخرج منها سليماً معافى بصحةٍ وعافية ونقياً من الذنوب والمعاصي كيوم ولدته أمه ، ومنا وللأسف الشديد من تمادى في غيه وبغيه وطغيانه وكأنه سيعيش الدهر كله ، فشتان بين هذا وذاك ، هذا تفكر وتمعن وعرف أن الحياة قصيرة ولن تدوم والعمر قصير مهما طال فلن يكون ، والأيام تطير بسرعة الصاروخ ولابد للجميع من الرحيل شاء من شاء وأبى من أبى ، فختار نهايته ورضي بها وانتهى ، وذاك تكبر وتبع هوى شيطانه ولم يتمعن فيما حصل له ولغيره ، فعميت بصيرته قبل بصره وساءت حالته واكتئب ومرض ورحل ، فهذه هي سنة الحياة لابد أن نعيشها او نتعايش معها بالعقل والحكمة والنظر لما هو أبعد من ذلك حتى نُرضي ربنا جل جلاله اولاً وأخيراً ثم نُرضي قناعاتنا بما كتبه الله لنا ورضينا به ، فتستقر حياتنا بعون الله وتوفيقه و تدوم جميلة رائعة للأفضل ، وكذلك حياة من نعول حولنا ونعيش حياة هنية سعيدة خالية من الهموم والغموم والمشاكل والحروب والأمراض والأوبئة ، سالمين غانمين مرتاحين البال ، يقول الشافعي رحمه الله :
دَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاءُ
وَطِب نَفساً إِذا حَكَمَ القَضاءُ
وَلا تَجزَع لِحادِثَةِ اللَيالي
فَما لِحَوادِثِ الدُنيا بَقاءُ
وَكُن رَجُلاً عَلى الأَهوالِ جَلداً
وَشيمَتُكَ السَماحَةُ وَالوَفاءُ
وَإِن كَثُرَت عُيوبُكَ في البَرايا
وَسَرَّكَ أَن يَكونَ لَها غِطاءُ
تَسَتَّر بِالسَخاءِ فَكُلُّ عَيبٍ
يُغَطّيهِ كَما قيلَ السَخاءُ
وَلا تُرِ لِلأَعادي قَطُّ ذُلّاً
فَإِنَّ شَماتَةَ الأَعدا بَلاءُ
وَلا تَرجُ السَماحَةَ مِن بَخيلٍ
فَما في النارِ لِلظَمآنِ ماءُ
وَرِزقُكَ لَيسَ يُنقِصُهُ التَأَنّي
وَلَيسَ يَزيدُ في الرِزقِ العَناءُ
وَلا حُزنٌ يَدومُ وَلا سُرورٌ
وَلا بُؤسٌ عَلَيكَ وَلا رَخاءُ .