|

كيف أصبحت المملكة وجهة للتاريخ؟

الكاتب : الحدث 2025-07-23 06:31:19

بقلم ـ خليل إبراهيم القريبي 

لطالما كانت المملكة العربية السعودية قلب شبه الجزيرة العربية النابض، ومهد الحضارات القديمة التي شكلت مسار التاريخ البشري، ولسنوات عديدة، ظل هذا الإرث التاريخي العظيم كامنًا تحت رمال الصحراء، واليوم، وبعد جهود مضنية ومبادرات استثنائية، لم تعد بلادنا مجرد موطن للمقدسات فحسب، بل أصبحت وجهة تاريخية عالمية بامتياز، تقدم للزوار رحلة فريدة عبر آلاف السنين من التراث والحضارة.

اهتمام المملكة بالتنقيب عن الآثار لم يكن وليد اللحظة، بل هو نتاج عقود من العمل الجاد والدؤوب، فمنذ سنوات، استثمرت المملكة بشكل كبير في البعثات الأثرية بالتعاون مع فرق دولية متخصصة من أرقى الجامعات والمؤسسات البحثية، أثمرت هذه الجهود عن اكتشافات تاريخية مبهرة غيّرت فهمنا للحضارات القديمة في المنطقة بأسرها، فمن المواقع الأثرية الشاسعة، إلى القطع النادرة والنقوش القديمة، كل اكتشاف يروي فصلاً جديدًا من قصة شبه الجزيرة العربية العريقة، ويكشف عن مساهماتها غير المعروفة في تاريخ البشرية.

ما يميز التجربة التاريخية في بلادنا اليوم هو التنوع الهائل الذي تقدمه كل منطقة من مناطق المملكة، ففي الشمال، تأخذ العلا ومدائن صالح، الزائر في رحلة استثنائية إلى قلب الحضارات الضاربة في عمق التاريخ، حيث المقابر المنحوتة ببراعة في الصخور، والنقوش الأثرية التي تعد بمثابة "مكتبة مفتوحة" تسجل تاريخًا غنيًا . وفي الغرب، تقف جدة التاريخية شامخة على ساحل البحر الأحمر، كشاهد حي على قرون من التبادل التجاري والثقافي، بمبانيها التاريخية التي تحكي قصص الحجاج والتجار. أما في قلب نجد، فتأخذ الدرعية التاريخية - مهد الدولة السعودية الأولى - زوارها في رحلة عبر الزمن لاكتشاف عراقة العمارة النجدية وأصالة التراث السعودي.

لا يقتصر الأمر على هذه المواقع البارزة، فالمملكة تزخر بمواقع أخرى في الجنوب والشرق تحمل كنوزًا تاريخية تتكشف تباعاً، من فنون صخرية نادرة، إلى آثار قرى وحصون قديمة تعكس عمق التاريخ الإنساني في هذه الأرض المباركة. تتوافق هذه الجهود الرامية للحفاظ على التراث مع رؤية السعودية 2030 الطموحة، التي تضع الثقافة والتراث والسياحة في صميم خططها التنموية، فلم يعد الهدف هو التنقيب فقط، بل يضاف إليه ترميم هذه المواقع وتطوير البنية التحتية المحيطة بها، وتقديم تجارب سياحية عالمية المستوى تليق بهذه الكنوز. هذا الاهتمام يعزز من الهوية الوطنية، ويسهم في بناء اقتصاد مزدهر، ويضع المملكة كلاعب رئيسي على خارطة السياحة التاريخية والثقافية العالمية.

لقد أصبحت المملكة العربية السعودية، بفضل التزامها الراسخ بكشف كنوزها التاريخية والحفاظ عليها وعرضها للعالم، وجهة لا غنى عنها لعشاق التاريخ والآثار. كل زيارة هي فرصة لاكتشاف طبقات جديدة من الحضارة، وشهادة على عظمة الماضي الذي يمهد لمستقبل مشرق.