"معهد الإدارة… خيّب ظني!"

بقلم ــ محمد بن عبدالله العتيق
دخلتُ معهد الإدارة العامة بمدينة الرياض وأنا أحمل تصورات مسبقة مليئة بالتردد والتحفظ. تخيلت أنني سأجد مكانًا رسميًا جامدًا، أجواءً مملة، قاعات رتيبة، وتعاملًا إداريًا لا يتجاوز حدود الواجب. كنت متوجسًا وأنا أتجه إلى هناك لأول مرة، متوقعًا أن أخرج بانطباع عابر أو ربما سلبي.لكن منذ اللحظة الأولى لتجربتي تبددت تلك الصورة تمامًا. مواقف السيارات منظمة وقريبة من بوابة الدخول، فلا تحتاج إلى عناء المشي لمسافات طويلة أو البحث عن مكان مناسب. المبنى نفسه حديث التصميم، يرحب بك قبل أن تخطو إلى داخله. وما إن دخلت حتى وجدت مكانًا يفوح بالنظافة والترتيب، وتغمره روائح عطرة تبعث على الارتياح.الاستقبال كان المفاجأة الأولى. موظفون وموظفات يستقبلونك بابتسامات صادقة، يجيبون عن أسئلتك بكل رحابة صدر، وبعضهم يترك مكتبه ليدلك بنفسه على وجهتك. شعرت أنني لست مجرد متدرب عابر، بل ضيف له قيمة واحترام.القاعات التدريبية كانت أكثر ما شدني؛ مرتبة، نظيفة، مجهزة بتقنيات حديثة وشاشات عرض كبيرة ولوحات منظمة تجعل التعلم أكثر سهولة ومتعة. الأنظمة الإلكترونية مهيأة لتقدم لك جميع بياناتك بضغطة زر، وهذا يعكس حرص المعهد على توفير بيئة تعليمية متقدمة تسهّل على المتدرب وتمنحه تجربة سلسة ومريحة.أما المدربون والمدربات، أبناء هذا الوطن وبناته، فقد كانوا الوجه الأجمل لهذه التجربة. يدخل المدرب مبتسمًا، يحييك ويسأل عن راحتك قبل أن يبدأ تدريسه. أسلوبه في الشرح بسيط وجذاب، يجعل المعلومة تصل بسهولة، ويمنحك شعورًا بأنك في بيتك لا في مؤسسة رسمية. لم يكن هناك أي شعور بالملل، بل وجدت نفسي مشدودًا للمعلومة، مشاركًا في الحوار، ومستمتعًا بالتجربة التعليمية بكل تفاصيلها.ومع مرور الوقت، أدركت أن هذا المعهد ليس مجرد مكان لتقديم الدورات، بل هو بيئة محفزة على التعلم، وواجهة مشرقة تعكس الصورة الحقيقية للعمل المؤسسي السعودي الذي يقوده رجال ونساء أكفاء، اختارتهم حكومتنا الرشيدة بعناية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين - حفظهما الله -. هذا الصرح لم يصل إلى هذا المستوى صدفة، بل بجهود واضحة ورؤية دقيقة تهتم بأدق التفاصيل من أجل راحة المتدرب وجودة المخرجات.لقد وجدت نفسي في نهاية أيام الدورة لا أرغب أن تنتهي التجربة. تمنيت لو أن الوقت يمتد لأيام أخرى، لأن المكان لم يمنحنا المعرفة فقط، بل منحنا شعورًا بالانتماء والفخر، وجعلنا نخرج بانطباع مختلف تمامًا عما توقعناه. لقد خاب ظني الأول، لكن خيبة جعلتني أشعر بالفرح والفخر في الوقت نفسه.وفي ختام هذه التجربة، لا يسعني إلا أن أوجه شكري وامتناني لكل من يعمل في هذا المعهد، من المسؤولين الكبار وحتى أصغر موظف، من المدربين والمدربات إلى المنسقين والمنسقات وموظفي الاستقبال وعمال النظافة الذين أضافوا للمكان جمالًا خاصًا. لقد رسم هؤلاء جميعًا لوحة وطنية نفتخر بها، وجعلوا من معهد الإدارة تجربة لن تُنسى، بل تجربة نتمنى أن تتكرر لننهل منها العلم والمعرفة، ونشاهد هذا الجمال المتميز في كل زاوية وكل تفصيل.