|

قيمة الوحدة في زمن الازدحام.

الكاتب : الحدث 2025-07-27 11:54:03

بقلم ــ أمل عُمر


في زمنٍ تُقاس فيه العلاقات بعدد المتابعين وتُحتَسب فيه قيمة الإنسان بمدى تواصله الدائم، أصبحت الوحدة أمرًا يُخشى منه و يُنظر لها كفراغ، كعار اجتماعي، أو كدليل على فشل في تكوين روابط.
لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير؛ فالوحدة ليست دائمًا هجرًا أو عزلة مفروضة بل قد تكون في كثير من الأحيان حاجة نفسية نبيلة ومساحة لإعادة الترميم الداخلي.

الوحدة لا تعني بالضرورة أنك بلا أحد، بل أنك مع نفسك بصدق بلا مؤثرات وبلا ضوضاء .
الوحدة هي تلك اللحظة التي تنزاح فيها الأقنعة وتتراجع فيها الأصوات الخارجية، لتسمع الصوت الأهم "صوتك"
فالازدحام لا يصنع دفئًا دائمًا، وكثرة الوجوه لا تضمن لك الحضور الحقيقي،بل أحيانًا يُصبح القرب سطحيًا و يسرق من الداخل دون أن يمنح ، وتصبح الحاجة للإبتعاد وسيلة بقاء، لا هروب.
الوحدة تتيح لك مساحة للتفكير، لمراجعة الذات، لتلمس ما تشعر به فعلًا، فيها تُكتشف الهوايات المنسية ، وتُسمع المشاعر المكتومة، وتُروى المساحات المهملة داخلك.

لكن هذا لا يعني أن كل عزلة صحية، ولا أن كل وحدة مُنقذة.
المهم هو النية التي تقف خلف انسحابك ، هل هو تجنّب؟ أم بحث؟ هل تنأى عن الناس خوفًا؟ أم لأنك تريد أن تعود لنفسك متزنًا؟
حين تُختار الوحدة بوعي، فإنها ليست هجرًا بل احتواء، ليست برودًا بل دفء داخلي، ليست فراغًا بل امتلاء .

وفي عالم يتسابق فيه الجميع لإثبات وجودهم بصوت عالٍ، قد تكون أعظم قوة أن تختار الصمت، وأن تصغي لنفسك وتفهمها لا للضجيج من حولك.