فاجعة الرحيل و إرث الذكريات

أمي العظيمة:
أنجبتني و أسميتني باسل على اسم أخي الذي رحل قبل أعوام في حادثٍ مأساوي، رحل جسدًا و بقيت روحه الطاهرة في قلبكِ … روحه التي لم تفارقكِ ، أصرَرْتِ إلا أن أحمل ذات الأسم باسل الشجاع، البطل، الجريء، شديد البأس. لعلني أسليكِ عن فراقه . أداوي جراحكِ وألم فقده …حين تحنين له ترين ملامحه في وجهي ، ترددين اسمي كثيرًا على شفتيكِ ، تأسركِ روحه التي تشعرين أنها تحلق بالقرب منكِ ، حين تشتاقين له تضميني، تشمّين رائحة عطره في ملابسي ، ذات العطر لم تُغيريه ، لعلها تنقذ ذاكرتكِ من براثين غيابه… ﻣﺎزالت ذاكرتكِ محتشدة بأدق تفصيل حياته ، طفولته ، مراهقته ، أصدقاءه ، أشياءه .. تمكنتِ يا أمي من تجاوز هذه المحنة والبدء من جديد، لكنني لم أكن أعلم أنني سأعيد ذات الألم و ذات الوجع ، الألم الذي ربما حاولتِ تجاوزه وحدكِ في صورتي تلك التي ارتسمت عليها ملامح أخي باسل ، تلحفت عيناكِ ظلام فراقه ، كنت أعلم مدى حزنكِ العميق عليه لذلك أجدتُ أمامك لعب الدور جيداً ،كُنْتُ باسل جسداً في روحين ، روحًا حلّقت مبكرا إلى الفضاء البعيد وبقيت أنا معكِ أسلّي قلبكِ على فراقه .
لطالما يا أمي كنت أكرر عليكِ سؤالًا واحدًا ولم أكتفِ من التكرار ، ولم تكتفِ أنتِ من الإجابة التي كل مرة تسردينها بطريقة مختلفة… هل كان أخي باسل يشبهني؟ …سؤال بسيط ، لم تُرْبِكُكَ إجابته بقدر ما تربككِ عيناي اللّتان تلمعان بصورة أخي تحملان وعدًا بالفرح والأمل.
كم من المرات جففت دموعها حين يداهمها الحنين له ، أرقبها من بعيد وهي تلهج بالدعوات و سلامٌ مثخنٌ بالشوق كبح جماح ألمها تجاه فراقه ، فقلبها بعد فِراقه لم يُجبر و حزنها عليه تعاظم…
سامحيني يا أمي فأنا أيضًا أود الرحيل لا تسأليني إلى أين الغياب ؟
تقاسمنا ذات الرَّحِم وذات الاسم و الآن ذات المصير ولم أدرك أنني سأعيد ذات الألم لروحكِ الطيبة ، ألم أكثر قساوة ، ألم أبقى الدروب معتمة.
أمي الحنون أيتها الطاهرة الصابرة.. الحزن لا يليقُ بوجهكِ الجميل ، أرواحنا تمر فوق السماء غيمة تحلق نحو الجنة .
أمي :
ارجوكِ لا تطيلي الحزن علينا فدعواتكِ ترافقنا في كل اللحظات كما لو أننا لم نبتعد أبدًا ,كما لو أن المسافات تستحيل بيننا ،كما لو أن شيئًا منا بقي سليمًا.
لن ننسى مَنْ كانوا جزءًا منا، مَنْ كان موتهم نهاية أخرى نتقاسمها مع تفاصيلهم المُتبقية كضحكاتهم العالقة ﻓﻲ ﻧﻮافذ ﺍﻟﺬﻛﺮيات.. لن ننساهم فنسيانهم حلم يداعب القلوب المرتجفة.
بقلم ـ العنود سعيد