بين التمني و الواقع .. الله يعافينا

✍️ د / سلمان الغريبي
------------------------------
لا تغرنّكم القصور والفلل وفخامتها وجمالها من الداخل أو الخارج .. ولا يغرنّكم مَنْ يركب السيارات الفارهة بألوانها الزاهية ويمرُّ من أمامكم ، وأنتم تتخيلون و تتمنون هذا لكم ..!
ولكن .. هذه الكلمة توقفوا عندها كثيرًا وضعوا تحتها ألف خطٍ وخط باللون الأحمر وتمعّنوا فيها ، واحمدوا الله واشكروه على ما أنتم فيه من نعمة وصحة وعافية وسلامة وراحة بال ، فكثير من أصحاب هذه القصور والفلل والسيارات الفارهة رفع الله عنهم يئنون ويتألمون داخلها ولا يشعرون بطعم الراحة والنوم العميق فيها ، ويتمنون العيش في بيوت من طين، وينامون على حصيرةٍ من خزف ، فقط ليشعروا بلذة النوم العميق فيها قريري العين ، وكم وكم مِمّنْ ركب السيارات الفارهة ولا نعلم ما به من علةٍ ومرض ، فخذوا العبرة من هذه القصة واحمدوا الله واشكروه على ما أنتم فيه من صحةٍ وعافية ، يحدثني أحد الزملاء عندما قابلته صدفة في إحدى المناسبات الخاصة على موقف حدث له في مدخل مستشفى فتيحي بجدة ، فيقول وهو في حالة توهان وذهول ممّا حصل له : لم يمرّ علي موقف في حياتي مثل هذا الموقف ، فقد كنتُ واقفًا عند مدخل المستشفى أنتظر أحد الإخوان للصعود للمستشفى لزيارة مريضٍ هناك ، وأثناء وقوفي أمام المدخل ، فإذ بسيارة في قمة الروعة والجمال من طراز (الروز رايس) تقف أمام المدخل ، فأول ما تبادر إلى ذهني بعد أن قلت : ما شاء الله تبارك الرحمن - اللهم بارك له فيها .. وأمنية (ياليتني أمتلك مثلها) رددتها في قلبي ، وما أن فرغت من تخيلاتي ، ما أرى إلا والسائق الخاص معه يُخرج كرسي متحرك كهربائي من الشنطة الخلفية للسيارة ، ويتقدم به للباب الأمامي للراكب، وإذا به يحمل شاب في الثلاثين من عمره ويضعه على هذا الكرسي ، ثم يركب السيارة ليوقفها في المواقف المخصصة لذلك ، وأنا حينها أخذني الفضول لأسأل هذا الشاب وليتني ما سألت وتألمت، فسألته بعدما سلمت عليه وقلت له : أجر وعافية إن شاءالله ، فأجابني جزاك الله خير ، فقلت له : سلامات يا ابني إن شاء الله خير : فقال : الحمدلله ياعم لديّ جلسة غسيل كلى وعلاج طبيعي ، فقلت له : ممكن أعرف كيف حصل ذلك ولماذا لم تجرِ عملية لزراعة الكلى وترتاح من هذا العناء الذي يستمر كل ثلاثة أيام .. ؟! فأجابني والحزن يعتصره والحسرة ترتسم على وجهه ، زراعة الكلى لا تنفع معي لأنني أُصبت في صغري في سن الحادية عشر بشلل نصفي إثر سقوطي من على دباب رحلات صحراوي وسبّب لي ذلك ، ولم أدع مراكز متقدمه داخلية وخارجية في جميع بقاع العالم إلا وطرقت أبوابها ، ولم أجد لحالتي أي علاج والحمدلله على كل حال ، وبعد عشرة سنوات أصبت بألم في الكلى ومغص شديد ممّا تسبّب لي بفشل كلوي ، وها أنا اليوم أعمل غسيل كلى كل ثلاثة أيام ولله الحمد ، فبادرته من باب الفضول أيضاً ما شاء الله حسب ما أرى فإن أمورك المالية طيبة ، لما لم تزرع كلى وتخلصت من آلام الغسيل ، ولماذا لاتجدي معك عملية زراعة الكلى ، فردّ قائلاً : ياعم لأن لدي إصابة في النخاع وتسبّبت لي بشلل نصفي ، لذلك لاتنفع معي ، ولكن هل تستطيع أن تعرف لي أي أحد يأخذ كل ما أملك من أموال وقصور وسيارات فارهة ويردّ لي صحتي و عافيتي وأعود صحيحًا مُعافى كما كنت في صغري وأصبح كبقية خلق الله الأصحاء ، ومستعد أن أسكن في بيت من طين يسترني فقط ولا أحتاج أي سيارة ، فحقيقةً أصبت بذهول ممّا رأيت ، فقد كنت أتمنى سيارته الفارهة وبعد ما سمعت ماقاله ، حمدت الله على دوام الصحة والعافية وراحة البال والنوم الهانئ بلا ألم وأنين، وبلا مسكنات ، وأحلم أحلامًا سعيدة ، فقلت له وأنا أودعه : يا ابني هل تعلم أنه وعند دخولك بسيارتك لفتّ نظري وبعد أن قلت ماشاءالله تمنيت أن تكون لي ، والآن تراجعت عمّا بدر مني ، فلكم سيارتكم الروز ولي سيارتي الونيت غمارتين وحوش وأنا بصحة وعافية وسلامة ، ولكم مني الدعاء أن يشفيك الله ويعافيك ويرفع عنك ما أصابك ويجعله في ميزان حسناتك ويبارك لك وفيك وفيما تبقى من عمرك ، ثم توادعنا ، واتجه هو لوحدة غسيل الكلى ، وأنا لبوابة الخروج من المستشفى ، فتوقف قليلاً ونادى : ياعم يا عم إذا أحببت أن نتبادل الأدوار فأنا على أهبّة الاستعداد ، فقلت له : أفكر وأرد عليك في الأحلام ، فضحكنا جميعنا وانصرف كل واحد منا إلى وجهته ، وأنا أتخافت بيني وبين نفسي : فعلاً لو كنت مكانه كيف سيكون وضعي ، فحمدت الله وشكرته عمّا أنا فيه من نعم .. ومن شدة الموقف ومن هول ماسمعت ورأيت فقد كنت أتأمل في ذلك الحوار مما جعلني أنسى أين أوقفت سيارتي الونيت ، وبعد جهد جهيد عثرت عليها ، ومن أول وهلة وقعت عيني عليها ، وتخيلتها الروز رايس التابعة لصديقنا الشاب المريض رفع الله عنه وشفاه ، وقلت : لازلت في تلك الأمنية ليس هناك أي فائدة ترجى مني ، و حقًا كما يقال أن ابن آدم طماع طماع ، ولكني عدتُ بعدها لرشدي سريعًا مرةً أخرى وقلت : الحمد لله على سيارتي الونيت وأنا طيب وسالم ومتعافي من الأمراض ، ولا السيارة الفارهة ولا القصر الجميل سيفيدني حينما أكون على فراش المرض ، فاللهم قنعني بما أعطيتنا، ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة وصحة وعافية وسلامة وأمن وأمان وراحة بال إنك أنت الوهاب و ولي ذلك والقادر عليه .