|

"وجوه بين الضوء والستائر"

الكاتب : الحدث 2025-09-04 11:30:01

 

نوافذٌ لا تُفتح باليد، بل تُفتح بالحنين، بالذكرى، وبأحلامٍ تسكننا أكثر مما نسكنها. هي نوافذ أرواحنا، مشرّعة على الضوء حينًا، ومسدلة الستائر على حزنٍ دفينٍ حينًا آخر. بعضها يعانق الصباح كزهرةٍ تتفتح على الندى، وبعضها يكتفي بأن يراقب المساء بصمتٍ طويل، كأنه يُعارك ألماً أو يبتلع غصّةً لا يبوح بها لأحد.

خلف نافذةٍ ما ! 
ترفع أمّ كفّيها نحو السماء، تناجي عودة ابنها  الغائب وتغمس الدعاء في دموعها. 
ومن نافذةٍ أخرى يكتب عاشق رسالةً من سطورٍ مرتجفة، يخبئها خلف ستارةٍ لعل الريح تحملها إلى حيث يسكن قلبه. نافذةٌ ثالثةٌ تضحك ببراءة، حيث يقف طفل يلوّح بيده الصغيرة للقمر، ظانًّا أنه صديقه.

كم من نافذةٍ شهدت بداية قصة حب، وأخرى ودّعت آخر لحظة حياة، وثالثة سجّلت في صمتها خيانة لم تُكتشف إلا بعد حين. النوافذ تحفظ أسرارنا مثل صندوقٍ قديم، يرفض أن يبوح بما في داخله إلا لمن يملك مفتاح القلب.

النوافذ ليست مجرد فتحة في جدار، بل مرافئ للأرواح. منها ما يشبه القصيدة، يُنشد الأمل في كل بيت، ومنها ما يشبه اللوحة، ألوانها تتلون بأمزجة الأيام. بعضها مرايا صافية تعكس صدقنا، وبعضها زجاجٌ معتم يخبئ ما لا نحتمل النظر إليه.

وفي النهاية … 
هي ليست جدرانًا تُخترق، بل هي امتداد لأرواحنا. منها نلوّح بأحلامنا، ومنها نخبّئ جراحنا. كل نافذة هي مرآة لحكاية إنسان، وربما حين نتأملها نكتشف أننا جميعًا وجوه خلف زجاج واحد، نبحث عن بصيص ضوء يعيدنا إلى الحياة .