"آخر فنجان قهوة في بيتي القديم"

بقلم ــ شفاء الوهاس
صباح اليوم بدا مختلفًا عن كل الصباحات، جلست في ركني المعتاد أحتسي فنجاني الأخير من القهوة في البيت الذي احتواني سنوات طويلة. لم يكن مذاق القهوة مختلفًا ، لكن شعور الفقد تسلل مع كل رشفة، وكأن جدران المكان تحفظ ذكرياتي وتودعني بصمت….
تأملت تفاصيل البيت؛ الشرفة التي شهدت ضحكاتنا، النافذة التي رافقت تأملاتي في المطر، والمطبخ الذي امتلأ برائحة القهوة مرارًا . كل زاوية تحكي حكاية، وكل صدى صوت يذكرني بلحظات لا تُنسى.
كان الرحيل حتميًا، والانتقال إلى بيت جديد بداية جديدة، لكن القلب ظل عالقًا هنا، في هذا المكان الذي صار جزءًا مني. شعرت أنني لا أترك بيتًا فقط، بل أترك جزءًا من حياتي، من روحي، من أيامي…
انتهى الفنجان، لكن الغصّة بقيت.
كنت أستمع في صمت إلى صدى الأشياء: خشخشة الأبواب، تنفس الجدران، وحتى سكون الزوايا. كل شيء بدا وكأنه يودعني على طريقته. وكأن البيت يرفض أن أكون عابرًا، ويصر أن يبقى في داخلي مهما ابتعدت عنه.
حين وضعت الفنجان فارغًا ، شعرت بثقل في صدري. أدركت أنني لم أكن أحتسي قهوة فقط، بل كنت أودع زمنًا من حياتي. فالرحيل ليس مجرد انتقال من بيت إلى آخر، بل اقتلاع من ذاكرة، من ألفة، من جذور غير مرئية.
خرجت وأنا أهمس: وداعًا أيها البيت العزيز، ستظل رائحة قهوتي عالقة بين جدرانك إلى الأبد لتذكرني انك لم تكن بيتًا فقط… بل كنت حياة.