الاستثمار الاجتماعي في السعودية: إلى أين وصلنا؟ وإلى أين يجب أن نتجه؟
كبسولة وعي

بقلم: حارث بن علي العسيري
في العقد الأخير، دخلت المملكة مرحلة جديدة من النضج الاقتصادي والاجتماعي، لم يكن الاستثمار الاجتماعي فيها خيارًا ترفيًّا، بل أصبح أحد روافد التنمية الوطنية ضمن رؤية 2030. لكن، مع كل ما تحقق، تظل هناك فجوة بين المفهوم النظري والتحوّل المؤسسي الحقيقي.
فإلى أين وصلنا؟ وأين يجب أن نصل؟
أولًا: أين وصلنا؟
- إطار تنظيمي بدأ يتشكل:
منذ تأسيس المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي عام 2019، تم إطلاق العديد من اللوائح، منها:
• لائحة تنظيم المسؤولية الاجتماعية.
• تنظيم الاستثمارات في القطاع غير الربحي.
• منصة “إحسان” كقناة رقمية لجمع التبرعات.
- زيادة المشاركة من الشركات:
• ارتفع عدد الشركات التي نشرت تقارير مسؤولية اجتماعية من أقل من 20 شركة في 2016 إلى نحو 140 شركة في 2023.
• لكن أقل من 30% من هذه الشركات تربط مساهماتها بأثر اجتماعي مُقاس.
- مبادرات نوعية ظهرت في التعليم والصحة والإسكان:
مثل:
• برنامج الإسكان التنموي.
• صناديق وقفية جامعية.
• وقف الخدمات الصحية (مثل وقف عناية الصحية).
ثانيًا: ما التحديات التي لا تزال قائمة؟
- غياب المعايير الواضحة للأثر الاجتماعي:
كثير من الجهات تصف مشاريعها بأنها "استثمار اجتماعي"، دون وجود أدوات مثل:
• نظرية التغيير (Theory of Change)
• مصفوفة الأثر
• العائد الاجتماعي على الاستثمار (SROI: Social Return on Investment)
• مواءمة أهداف التنمية المستدامة (SDG: Sustainable Development Goals)
- ضعف القدرات التحليلية لدى القطاع غير الربحي:
• أكثر من 75% من الجمعيات الخيرية لا تمتلك أدوات قياس أثر.
• ولا توجد جهة واحدة حتى الآن تصدر تقريرًا وطنيًا سنويًا شاملًا لقياس الاستثمار الاجتماعي.
- غياب حوافز سوقية:
• لا تزال الحوافز الضريبية غير مفعّلة.
• التمويل البنكي لصناديق الأثر الاجتماعي غير موجود فعليًا.
ثالثًا: إلى أين يجب أن نتجه؟ (خريطة الطريق)
1. تحديد معايير وطنية موحدة لقياس الأثر الاجتماعي:
• عبر بناء دليل سعودي مستند إلى SDG وSROI،
• وتبنيه من الجهات الحكومية والبنوك والقطاع الثالث.
2. تفعيل دور الوسطاء الاجتماعيين:
• شركات مختصة تربط المستثمرين بالجهات المنفذة،
• وتقيس الأثر وتُقدم تقارير مستقلة.
3. إنشاء مؤشر سنوي للاستثمار الاجتماعي في السعودية:
• يُصدر عن هيئة مستقلة، ويقيس:
- عدد المشاريع
- قيمة التمويل
- القطاعات المستهدفة
- مستوى الأثر
4. دمج التعليم والاستثمار الاجتماعي:
• تدريس مقرر في الجامعات والكليات التقنية حول هذا المجال،
• وتحفيز الطلبة على تقديم حلول ذات أثر اجتماعي من خلال مسابقات وتمويل أولي.
ختامًا…
ما تحقق جميل… لكنه لا يزال في منطقة "الجهد المحمود"، ولم يصل إلى "المردود المحسوب."
فإذا أردنا أن يصبح الاستثمار الاجتماعي السعودي نموذجًا عالميًا، فعلينا أن ننتقل من النية الطيبة إلى النتيجة المُقاسة، ومن المبادرة المنفردة إلى المنهجية الوطنية.
نحتاج إلى جيل يفكر كما فكّر عمر بن الخطاب حين سأل:
"أصبت مالًا، فما أفعل به؟" فقال له النبي ﷺ: "احبس الأصل وسبّل الثمرة."
نعم… نُحبس الأموال في الأصول، لكي تُثمر أثرًا لا يذبل.