|

الجامعات والقطاع الخاص: شراكات تصنع المستقبل

الكاتب : الحدث 2025-09-14 02:04:38

بقلم: د. بجاد بن خلف البديري 

تمثل الشراكات بين الجامعات والقطاع الخاص ركيزة أساسية في بناء منظومات ابتكار حقيقية، حيث تتحول الأفكار البحثية من مجرد نتائج مخبرية إلى منتجات وخدمات تحدث فرقاً ملموساً في حياة البشر. فالمعادلة الناجحة لا تكتمل إلا حين تلتقي الكفاءات الأكاديمية بالقدرات التمويلية والتنفيذية للقطاع الخاص، بما يتيح مساراً متكاملاً من البحث إلى السوق، ومن الفكرة إلى التطبيق.

التجربة الدولية تزخر بنماذج تحولت إلى قصص نجاح عالمية، مثل "جوجل" التي بدأت كفكرة بحثية في جامعة ستانفورد، قبل أن تصبح واحدة من أكبر شركات التقنية في التاريخ. كذلك "ياهو" بدورها انطلقت كبوابة أكاديمية ثم تطورت إلى منصة إلكترونية رائدة. وفي المجال الحيوي، جاءت Genentech كثمرة تعاون بين جامعة كاليفورنيا ومستثمرين، لتقدم أدوية مبتكرة غيرت مفهوم علاج السرطان. وفي جامعة كامبريدج وُلدت الأبحاث التي مهدت لتقنية Kinect لدى مايكروسوفت، فيما أحدثت تقنية CRISPR ثورة جينية شاملة بعد أن انتقلت من المختبر إلى الشركات الطبية. ولا يمكن إغفال أن الإنترنت نفسه خرج من رحم مشروع أكاديمي بدعم صناعي قبل أن يصبح العمود الفقري للعالم الرقمي.

على أرض المملكة، برزت الجامعات كمحاور رئيسية في بناء اقتصاد قائم على المعرفة ضمن مسار رؤية 2030. فجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST) تقود تعاوناً استراتيجياً مع شركات كبرى مثل أرامكو وسابك لتطوير حلول الطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي. وجامعة الملك سعود أسهمت خلال جائحة كورونا في تطوير جهاز تنفس صناعي محلي بالشراكة مع القطاع الصناعي، أما جامعة الأميرة نورة فقد أطلقت بالتعاون مع هواوي أكاديمية متقدمة لتأهيل الكفاءات الرقمية، فيما انخرطت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في مشاريع مشتركة لتطوير تقنيات الطاقة المستدامة، كما دخلت جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل في شراكات دوائية دعمت صناعة الأدوية الوطنية.

هذه النماذج تؤكد أن الشراكات ليست ترفاً فكرياً، بل ضرورة استراتيجية لبناء اقتصاد متنوع قادر على المنافسة عالمياً، فعندما تلتقي المعرفة الأكاديمية مع موارد القطاع الخاص، يصبح الطريق مفتوحاً أمام ابتكارات تضع المملكة في موقع ريادي إقليمي ودولي. وهنا يتجسد جوهر رؤية 2030، اقتصاد قائم على الإنسان والمعرفة، تدعمه بنية تحتية علمية وصناعية، ويقوده إبداع يربط البحث بالابتكار والتطبيق.

الخلاصة أن الشراكات بين الجامعات والقطاع الخاص ليست مجرد قصص نجاح خارجية، بل واقع سعودي يتشكل بخطوات متسارعة، يحمل وعداً بمستقبل أكثر استدامة وتنافسية.