"عمّروها".. ورشة تستعرض العمارة السعودية في السينما الوثائقية ضمن ملتقى النقد السينمائي بأبها

متابعات - لميس القشيري
ضمن فعاليات ملتقى النقد السينمائي الذي نظمته هيئة الأفلام بمدينة أبها، أقيمت ورشة عمل بعنوان: "عمّروها: السينما الوثائقية وتاريخ المعمار السعودي"، أدارها الكاتب والناقد الدكتور محمد البشير، وشارك فيها المخرج والمنتج علي السمين، الذي استعرض في بداية الجلسة تفاصيل مشروعه الوثائقي "عمّروها"، وأبرز القضايا المرتبطة بتوثيق العمارة السعودية ودورها في تشكيل الهوية البصرية والسياحية.
وأوضح السمين أن مشروع "عمّروها" هو برنامج وثائقي استمر العمل عليه لمدة 12 شهراً، بمشاركة 18 معمارياً ومعمارية سعوديين، ويهدف إلى تنمية صناعة المحتوى المحلي، وتعزيز الحضور الثقافي والإبداعي للمملكة في مختلف القطاعات، من خلال سرد بصري حديث لقصة العمارة السعودية.
وأضاف: يتألف البرنامج من 8 حلقات، تسلط الضوء على تاريخ العمارة في المملكة، وتتناول التحولات العمرانية بعد الطفرة النفطية، موضحاً أن الوثائقي يسعى إلى كشف المتغيرات التي طرأت على فن العمارة محلياً، وانعكاس ذلك على حياة الناس وتحولاتهم الاجتماعية والاقتصادية، مع التركيز على رواية حكايات المباني التاريخية بمؤثرات بصرية معاصرة تربط الماضي بالحاضر، بعيداً عن الصور النمطية.
وفي حديثه عن دور المكان في السينما، تساءل السمين: "كيف يمكن للعمارة أن تكون جزءاً من هويتنا السياحية؟"، منتقداً ميل غالبية صناع الأفلام إلى التصوير في أماكن مغلقة بسبب سهولة الإنتاج، ما أدى إلى "حالة من الكسل" البصري، وجعل المكان مجرد خلفية لا قيمة لها، رغم أن المكان قد يخلق قصة مختلفة بالكامل، كما هو الحال في التصوير داخل مدرسة أو حي تاريخي.
وأكد أن الدراما السعودية تميل للطابع العائلي، وتفتقر إلى التنوع المكاني، قائلاً: "إذا فتحنا أماكن جديدة للتصوير، فسنخلق حكايا مختلفاً"، لأن المكان يفرض نسقاً سردياً معيناً، منتقداً اعتماد كثير من صناع الأفلام على مرجعيات بصرية مأخوذة من أفلام سابقة، بدلاً من الاعتماد على الواقع الحقيقي، ما يؤدي إلى تكرار الصور وعدم التجديد.
ودعا السمين إلى تنويع المواقع المستخدمة في السينما، وضرورة تسهيل استخدام المباني المختلفة في الإنتاج السينمائي، مؤكداً أن "ما نقوم بتصويره هو إرث"، وأن التغيير العمراني له بعد اجتماعي عميق يجب توثيقه.
وأشار إلى أن حركة الأفلام الوثائقية أقل انتشاراً من الروائية لأسباب عدة، لكن الأصوات التي بدأت تظهر في المشهد التوثيقي اليوم تعكس اهتماماً حقيقياً بالمكان، وإدراكاً لقيمته في ذاكرة المجتمع، مضيفاً: "المكان دائماً حاضر في العملية التوثيقية".
واعتبر أن توثيق البعد الاجتماعي للعمارة كان قائماً منذ الستينات، ثم انقطع، وعاد اليوم بشكل مختلف، وعلى صانع الفيلم الوثائقي أن يكون واعياً للتحولات الحضرية والاجتماعية، مؤكداً احترامه لأي عمل سينمائي "يجعل من المكان شخصية، لا مجرد ستار"، لأن المكان أحياناً يفرض حركة مختلفة على الممثلين وطبيعة جديدة للسرد، مشيداً بالأفلام التي تمنح للمكان هوية حقيقية داخل النص.
ورأى السمين أن تأثير المكان اليوم أكبر مما كان عليه في الماضي، وأن السينما مرآة للواقع، معتبراً أن "المساحة الثقافية لدى صانع الفيلم" وقدرته على فهم الواقع هي ما تميّز العمل الجيد، وقال: "الواقع يجب أن يكون مصدر إلهامنا، وإذا كانت تجارب صانع الفيلم بسيطة ولا تحمل اختلافاً أو حب استطلاع، فلن ينتج شيئاً مختلفاً".
ومن المقرر أن تستكمل جولة مؤتمر النقد السينمائي الدولي محطاتها في ملتقى القطيف خلال شهر أكتوبر المقبل، على أن تُختتم في العاصمة الرياض في نوفمبر، جامعًا نخبة من التجارب المحلية والعالمية، لتأسيس مشهد نقدي متجدد يواكب تحولات الصناعة السينمائية على المستويين الإقليمي والعالمي.