كبسولة وعي .. مشاريع لا مساعدات

بقلم: حارث بن علي العسيري
الباحث في الاستثمار الاجتماعي
في عالم يتغير بوتيرة سريعة، لم تعد الجمعيات الخيرية مجرد صناديق لتلقي التبرعات وتوزيعها. اليوم، صارت مطالبة بأن تتحول إلى كيانات ذكية تُدير الموارد وتُولّد الأثر وتُحقق الاستدامة. فالعطاء وحده لا يكفي إن لم يكن مدروسًا ومترابطًا مع احتياجات المجتمع الفعلية، ومبنيًا على منطق الاستثمار الاجتماعي.
الاستثمار الاجتماعي لا يعني مجرد جمع المال وصرفه، بل بناء مشاريع ومبادرات تخلق قيمة مضافة، وتُقاس نتائجها بالأثر الإيجابي على الفئات المستهدفة، لا بعدد السلال الموزعة أو الحقائب المدرسية الممنوحة. إنها نقلة نوعية في مفهوم "الخدمة المجتمعية"، تستند إلى منهجية علمية وخطوات إجرائية واضحة.
لكن لماذا ما زالت الكثير من الجمعيات تعاني من ضعف في التأثير رغم توافر النية والإمكانات؟ الإجابة تكمن في غياب النموذج الإجرائي، وانعدام التخطيط الاستثماري، وتردد بعض القائمين على الجمعيات في كسر القالب التقليدي.
التحول يبدأ من الداخل. من تشكيل فرق العمل على فهم فلسفة الاستثمار الاجتماعي، إلى قراءة الواقع وتحديد الفجوات المجتمعية، فاختيار التدخل المناسب، ثم بناء نموذج عمل مرن ومقنع للشركاء والممولين.
بلغة بسيطة: لا تبحث عن تبرعات، بل عن شراكات. لا تطلب تمويلاً، بل اقترح حلاً. من هنا تتحول الجمعية من كيان ينتظر الدعم، إلى جهة تصنع الحلول وتعرضها على من يملك التمويل وفق منطق الشراكة.
هذا التحول لا يأتي بعشوائية. بل عبر خطوات دقيقة تبدأ بتحليل الوضع الداخلي، ثم دراسة المجتمع المحلي، ثم بناء مشروع قائم على منطق التأثير والاستدامة. وحين تُربط هذه الخطوات برؤية المملكة 2030، تُصبح الجمعية شريكًا تنمويًا فعليًا، لا مجرد جهة خيرية تعمل على الهامش.
العمل الخيري في السعودية أمام فرصة تاريخية… والمجتمعات لا تنتظر الجمعيات التقليدية، بل تحتاج من يُبادر بحلول ذكية تخلق الأثر وتحقق التمكين.