|

“بصيرةٌ من ذهب ..”

الكاتب : الحدث 2025-05-22 02:23:37

بقلم: عبد الله الكرشم عسيري
--------------------------------------


 كيف نحتضن هبة لا تُرى بالعين ..؟!
في لحظات الفرح التي ترافق قدوم مولود جديد؛ تمتزج التهاني بالدعوات، وتفيض القلوب بالأمل، لكن أحيانًا، يصحب هذه اللحظة نبأ مختلف: أن "المولود كفيف".  وهنا قد تتبدل المشاعر، ويعلو القلق على الفرح، وتبدأ الأسئلة التي لا تنتهي ..

لكن الحقيقة التي يجب أن نقف عندها كثيرًا؛ هي أن هذا الطفل ليس ناقصًا؛ بل كامل "لكن من نوع خاص". نعم، لا يرى بعينيه، لكنّه يرى بطرق أخرى؛ يشعر، ويدرك، ويتفاعل، ويستطيع أن يعيش حياة مليئة بالمعنى، متى ما كان محاطًا بالحب والإيمان والثقة ..

الكفيف لا يحتاج إلى الشفقة؛ بل إلى الفرص، لا يريد من أسرته أن تحوطه بالخوف؛ بل أن تفتح له أبواب التجربة، أن تسمح له بأن يتعثر ويقوم، أن يُعامل كطفل قادر، لا كطفل محدود، ومن المؤكد أن الدعم الأسري هو الركيزة الأولى في بناء ثقته بنفسه ..

لقد أثبتت الدراسات أن فقدان البصر يُقابله أحيانًا تطور في الحواس الأخرى، وفي القدرات الذهنية، بل وفي التحصيل الدراسي والإبداعي. والتاريخ مليء بأسماء لمبدعين كانوا مكفوفين، وأضاءوا العالم بما قدموه من علم وفن وإنجاز ..

وفي عصرنا هذا، لم يعد الكفيف معزولًا عن العالم بفضل التقنية، صار بإمكانه أن يقرأ، ويكتب، ويستخدم الحاسب، ويتعلم، ويتواصل، بل ويتفوق، والفرص التعليمية والمهنية متاحة بشكل أوسع من أي وقت مضى، فقط يحتاج إلى من يرافقه في البداية، ثم يثق بقدرته على السير وحده ..

وللأسرة أقول من القلب: أنتم لستم وحدكم؛ هناك جهات تعليمية وطبية وتوعوية متخصصة يمكنها مساعدتكم،  وهناك أسر مرّت بتجربتكم، وهي اليوم منارات أمل لغيرها ..

ولنعِ أن الطفل الكفيف ليس أقل من غيره، بل هو بصيرة تمشي على الأرض، قد لا يرى الأشياء كما نراها، لكنه يُبصرها بروحه، ويُعيد تعريفها على طريقته ..
وختاماً : إحتضنوا هذه الهبة فهي ذهبٌ لا يُقاس بالبصر .