|

لا تأتي المتاعب فرادى

الكاتب : الحدث 2025-05-28 10:14:51

 

خليل إبراهيم القريبي

هل تساءلت يوماً لماذا لا تأتي المتاعب فُرادى؟ وكأن هناك اتفاقاً بأن الكأس إذا امتلأ، يجب أن يفيض بكل ما فيه دفعة واحدة، هذه الفكرة ليست مجرد تشاؤم، بل هي ملاحظة عميقة توارثتها الإنسانية عبر العصور، وتجلت في حكمة الشعوب وأدبها وحتى في سلوكياتها وتقاليدها.

تخيَّل نفسك تسير في طريق مستقيم، وفجأة تتعثر بحجر، ولا تلبث أن تستعيد توازنك حتى يأتيك ريح عاصفة تقتلع قبعتك، وقبل أن تدرك ما يحدث، تتعثر بقدم أخرى تسقطك أرضًا، هكذا هي المصائب، نادراً ما تزورنا بمفردها، إنها أقرب إلى سرب من الغربان التي تهبط دفعة واحدة، لا طائراً واحداً.

لا أعتقد بأن الأمر مجرد مصادفة، بل هو تتابع أحداث ينبع من ترابط الحياة وتعقيداتها، وغالباً ما تكون المشكلة الأولى هي الشرارة التي تكشف عن ثغرات أخرى، أو تضعف قدرتنا على مقاومة ما يليها، كما ألمح أبو الطيب المتنبي في حكمته: "مصائبٌ شتّى جُمعتْ في مُصيبةٍ ولَمْ يَكْفِها حتى قفَّتْها مصائبُ" فكأن المصائب لا تكتفي بضربة واحدة حتى تتبعها مصائب، وهي ليست حوادث معزولة، بل حلقات متصلة في سلسلة من التحديات، وكأنها تأتينا "سرايا كالجيش"، لا "فرادى كالجواسيس"، كما صورها بعبقرية ويليام شكسبير، حين قال: "المصائب لا تأتي فُرادى كالجواسيس، بل سرايا كالجيش". إنها طبيعة الحياة التي تختبرنا، تضغط علينا لتدفعنا نحو التفكير خارج الصندوق، وتقوية عودنا.

الأمر لا يتعلق باليأس، بل بفهم عميق لواقع لا يمكن تجنبه، وعندما تدرك أن المتاعب أو "المصائب لا تأتي فرادى"، تستعد للتعامل معها بمنظور أوسع، وتدرك أن تجاوز الضربة الأولى يفتح الباب للتعامل مع ما يليها بقوة أكبر، وهي دعوة للتأهب والمرونة، وللثقة بأن بعد كل تجمُّع للغيم، يأتي فجرٌ جديد.