سلامٌ لمن جعلوا الحج رحمة بعد رهبة

بقلم ـ محمد العتيّق
----------------------------
في إحدى سنوات الماضي البعيد، وفي قلب نجد، كان الحج أمنية عظيمة تُطلب بشوق ودمعة، لا مجرد قرار يُتخذ في لحظة.
كان من أراد الحج يبدأ الاستعداد قبل ستة أشهر، ويشدّ الرحال قبل أربعة، يخترق الصحراء القاحلة، يواجه وعورة الطريق، وجوع السفر، وخطر الطريق من قطاع طرق أو وحوش مفترسة.
كانت الرحلة محفوفة بالمخاطر، حتى أن أهل الحاج يودّعونه وكأنه الوداع الأخير، لا يعلمون أيرجع أم يكون ذلك آخر عهده بالحياة.
ومع ذلك، كان الحج حلمًا يستحق المغامرة، ومن يعود منه كأنما وُلد من جديد، وقد تطهر قلبه وجسده بروحانية المشاعر.أما اليوم، فلله الحمد والمنة، تغيّرت الصورة تمامًا، فالحج أصبح سهلاً ميسورًا، لا يحتاج إلا يومين للتحضير، والمخيمات مكيفة، والطرق ممهدة، والراحة والأمن حاضران في كل لحظة.
ترى الحجاج ينتقلون من مشعر إلى آخر وكأنهم في فنادق متنقلة، فيها ما لذ وطاب، في أمن واطمئنان لا مثيل له.
هذا كله ما كان ليتحقق لولا توفيق الله أولًا، ثم ما وهب هذه البلاد المباركة من ثروات وقدرات بشرية وإدارية عظيمة.
فليست الثروة نفطًا فحسب، بل هي عقول وخطط وقيادة رشيدة تسهر على راحة المواطن، وتبذل الغالي والنفيس في خدمة ضيوف الرحمن ، المملكة العربية السعودية لا تتربح من الحج، ولا تأخذ رسومًا على التأشيرات، ولا تتاجر بالمشاعر، بل تكرم ضيوف الرحمن كرامة لا نظير لها ..
مليارات تُصرف سنويًا على البنية التحتية، وعلى فرق طبية متنقلة، وقطارات حديثة، وحافلات مجهزة، وخدمات تُحصى ، ورجال أمن مؤهلين على أعلى مستوى لإستتباب الأمن وتسهيل حركة المرور ، ومع كل هذا يخرج حاقد أرعن، لم تطأ قدماه أرض المشاعر يومًا، ليتهجم على هذه البلاد، ويتهمها زورًا وبهتانًا ..
متجاهلاً كل هذا العطاء والسخاء ، ويتعامى عن كل هذه الجهود، فقط لأن قلبه مملوء بالحقد، ولسانه لا يعرف سوى التزوير ، لكن الحقيقة تبقى، ويشهد بها المنصفون من كل مكان، بأن المملكة كانت ولا تزال، بيتًا آمنًا للحاج، وراعيةً صادقةً لمناسكه .. ولله الحمد والمنة،و يبقى الحق ظاهرًا، ويبقى البذل صادقًا، ويبقى الوطن شامخًا، رغم أنوف الحاقدين .