جهود تبذل وعمل مستمر في حجّ عام 1446 هـ

بقلم ــ علي بن أحمد الزبيدي
---------------------------------
بدأ موسم الحج لعام 1446 هـ في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة وهو يوم التروية، وقبل هذا وفد الحجاج من كل حدب وصوب إلى مكة استعداداً لآداء مناسك الحج بين مفرد ومقرن ومتمتع، هناك من أتى من بلاد بعيد وقد تجشّم الصعاب وتحمل ضغوط الحياة وصبر حتى أصابه الكبر منتظراً دوره، وهناك من أتى للحجّ دون عناء يذكر سوى مالٍ دفعه لإحدى شركات الحجّ، وبين هذا وذاك كانت المملكة العربية السعودية قد بدأت استعداداتها للحجّ منذ نهاية حجّ عام 1445هـ وهي عادتها السنوية فجهودها مستمرة لتطوير استضافة وفود الرحمن دون أن تكلّ أو تملّ أو تمنّ.
في هذا العام ككل عام تتجدد الجهود المكثفة للمملكة العربية السعودية، بتوجيهات كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظهم الله - لضمان أداء ضيوف الرحمن لمناسكهم بكل يسر وأمان وطمأنينة، وتكتسب هذه الجهود أهمية مضاعفة بالنظر إلى التوقعات المناخية التي تشير إلى استمرار ارتفاع درجات الحرارة، مما يستدعي استراتيجيات مبتكرة وتدابير استباقية لمواجهة تحديات الأجواء الحارة.
وتستند جهود المملكة في حج 1446 إلى عقود من الخبرة المتراكمة في إدارة أكبر تجمع بشري سنوي في العالم، فالبنية التحتية المتطورة في المشاعر المقدسة، والتي تم تحديثها وتوسيعها بشكل مستمر، تشكل الركيزة الأساسية لهذه الجهود، حيث تشمل هذه البنية عدة نقاط
بدءاً بالمخيمات الذكية والمكيفة حيث يتم تحديث وتطوير المخيمات في منى وعرفات لتوفر بيئة أكثر راحة للحجاج، وتعمل هذه المخيمات على توفير أنظمة تكييف متكاملة، ومرافق صحية حديثة، وخدمات دعم لوجستي متكاملة، مما يقلل بشكل كبير من تأثير الحرارة المباشر على الحجاج خلال فترة إقامتهم ..
ولتسهّيل عملية انتقال سلسه أنشئت الجسور والأنفاق العملاقة لتواصل دورها المحوري في تسهيل حركة الحشود بين المشاعر المقدسة وتضمن هذه الشبكة المصممة بعناية فائقة انسيابية التنقل وتقلل من أوقات الانتظار والتعرض لأشعة الشمس، خاصة في مناطق مثل جسر الجمرات، حيث يتم توفير تهوية ومراوح لتعزيز راحة الحجاج ..
ويبقى قطار المشاعر المقدسة عصب النقل بين المشاعر، حيث يقلل بشكل كبير من الاعتماد على الحافلات ويوفر وسيلة نقل سريعة ومكيفة إلى جانب ذلك يتم توفير أسطول ضخم من الحافلات الحديثة والمكيفة لخدمة الحجاج في جميع المسارات مع خطط مرنة لمواجهة أي ظروف طارئة ..
ولمواجهة الأجواء الحارّة تم توسيع نطاق تغطية أنظمة التبريد بالرذاذ والمراوح العملاقة في المسارات الرئيسية والمناطق المفتوحة في المشاعر المقدسة، بما في ذلك محطات القطار ومناطق التجمع، هذه الأنظمة تعمل على خفض درجة الحرارة المحسوسة وتوفير بيئة أكثر اعتدالاً ..
كما عملت على زيادة عدد نقاط توزيع مياه الشرب المبردة والمشروبات المنعشة في جميع الأماكن التي يتواجد فيها الحجاج، مع التأكيد على أهمية الترطيب المستمر والوقاية من الجفاف ..
وعززت المملكة المنظومة الصحية في المشاعر المقدسة بشكل كبير حيث شملت هذه الاستعدادات زيادة عدد المستشفيات والمراكز الصحية، وتجهيزها بأحدث التقنيات لعلاج حالات الإجهاد الحراري وضربات الشمس، كما سيتم تكثيف حملات التوعية الصحية للحجاج قبل وأثناء رحلتهم، لتثقيفهم حول أفضل الممارسات للتعامل مع الحرارة وتجنب المخاطر الصحية، والتوعية بأهمية استخدام المظلات الشمسية خفيفة الوزن، والملابس الفاتحة والفضفاضة، والقبعات، لتقليل التعرض المباشر لأشعة الشمس ..
وحيث أنّ الأمن والسلامة يأتي في رأس أولويات المملكة العربية السعودية وهي أولوية لا تتزعزع ولا تتنازل عنها المملكة بأي حال من الأحوال، فقد رأينا وسمعنا عن الاستعدادت للقوات الأمنية بشتى قطاعاتها والتي تستمر على مدار الساعة منذ بدء الحج حتى وصول آخر حاجٍّ لأهله سالماً مطمئنا معافاً ، وشدّدت على أنّه لا حجً بدون تصريح وأن الحجّ الآمن يأتي من التزام الحجاج بالأنظمة والقوانين وخلو الحجّ من العنصرية والسياسة والحزبية والتفرًغ للعبادة وآداء مناسك الحج ..
وتأتي هذه الجهود الأمنية والتعليمات لضمان انسيابية حركة الحشود، ومنع التدافع، وتوفير بيئة آمنة تخلو من أي تجاوزات، وتستخدم المملكة أحدث التقنيات في مراقبة الحشود وإدارة الأزمات؛ لضمان استجابة سريعة وفعالة لأي طارئ ، كما يتم التركيز على التنسيق المشترك بين جميع الجهات الحكومية لضمان عمل المنظومة بأكملها بسلاسة وتناغم ..
إن جهود المملكة العربية السعودية التي تستند إلى رؤية واضحة والتزام راسخ، تعكس حرص القيادة الرشيدة على خدمة ضيوف الرحمن وتيسير رحلتهم الإيمانية دون منة فاللهم احفظ قادة هذا البلد واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً مباركاً ..
همسة الختام :
إنّ هذه الجهود ليست مجرد واجب ديني، بل هي شرف عظيم ومسؤولية تاريخية تضطلع بها المملكة بكل اقتدار، ليبقى الحج ركناً من أركان الإسلام يؤديه المسلمون من كل فج عميق في أجواء من السكينة والطمأنينة والأمان، مهما كانت التحديات والمملكة العربية السعودية قيادة وشعباً ترتجي بهذا العمل رضا الله والأجر والمثوبة ولا تقبل المزايدات على ما تقدمه من أحدٍ ولا تلتف لكل ناعق أو نامق أو باحث عن الشهرة على حساب جهودها المبذولة .