|

تحولات في أساليب التربية ..

الكاتب : الحدث 2025-06-08 08:19:07

 بقلم ـ محمد بن عبدالله العتيّق
------------------------------------ 


هناك فعلاً تحولات في اساليب التربية من السلطوية إلى التربية بالحب ..
ففي أحد الأعوام، دار بيني وبين أحدهم نقاش عميق حول أساليب التربية والتعامل مع الطلاب. كان يرى أن الوسيلة الأنجح لتقويم سلوك الأبناء هي استخدام الأوامر المباشرة والتهديدات الصريحة، من قبيل: "لا تفعل"، "سوف تُعاقب"، "ابتعد عن كذا". بل كان يتتبّع خطوات الطلاب، يسأل عنهم، ويحقق فيما إذا ارتكب أحدهم مخالفة، ليُسارع بعدها إلى معاقبته فورًا، ظنًّا منه أن هذا هو السبيل للضبط والانضباط ، استمعت إليه، ثم شاركته وجهة نظري بهدوء، أخبرته أن هذه الطريقة، وإن بدت فعّالة في ظاهرها، لم تعد مناسبة لعصرنا هذا، لقد تغيّر الزمن، وتغيرت معه نفوس الأبناء وسلوكياتهم، وأصبح من الضروري أن تواكب التربية هذه التحولات ، إن التربية بالحب، باللين، وبناء الجسور بين المربي ومن يحتاج للتربية ، أصبحت اليوم أكثر فعالية وأعمق أثراً من التهديد والتخويف ، المراهق بطبعه حساس، يتوق إلى الشعور بالاحترام والاستقلالية، ويرفض أسلوب الإملاء والأوامر، بل يتمرد عليه أحياناً، لا حباً في الخطأ، بل تأكيدًا لذاته ، حين يُعامل الطالب أو الإبن بمحبة واحترام، حين يشعر بأن من يوجهه يُقدّره ويؤمن به، يفتح له قلبه، ويقبل نصيحته، أما حين يشعر بأن كل كلمة تقال له هي أمرٌ أو تحذير، فإنه يغلق قلبه، وربما يطيع في الظاهر، لكنه يتمرد في الخفاء ،وقد بيّنت له أن هناك فرقًا كبيرًا بين أن تُجبر شخصاً على سلوك معين، وبين أن تجعله يرغب في هذا السلوك حباً بك، وتأثرًا بأخلاقك وقدوتك، الأول قد ينجح مؤقتاً، أما الثاني فيُثمر التزاماً طويل الأمد ينبع من الداخل ،ومع مرور الوقت، بدأت نتائج الأسلوبين تتضح ، ذاك الذي اختار الشدة والعقوبة، بدأت الناس تنفر منه، طلابه لم يعودوا يذكرونه بخير، بعضهم حتى لا يُسلّم عليه، ولا يرغب بلقائه، أما من اخترت معهم أسلوب القرب، والمودة، والاحترام، فما زالوا حتى اليوم على تواصل دائم بي ، يرسلون كلمات الامتنان، يدعونني لمناسباتهم، ويستذكرون مواقفي معهم، وكيف ساعدتهم في لحظات احتاجوا فيها إلى من ينير لهم الطريق.لقد أيقنت مع الأيام أن التربية ليست رقابة صارمة، بل هي زرع قيم ومبادئ في داخل الإنسان تجعله يراقب نفسه بنفسه، لن تكون حاضراً مع ابنك أو طالِبك في كل مكان وزمان، لكن يمكنك أن تكون النور الذي يرافقه في غيابك.وحين يحبك الطالب، أو يحبك ابنك، فإنه يسعى لإرضائك لا لأنك تأمره، بل لأنه يُحبك، ويحترمك، ويريد أن يكون على قدر الثقة التي وضعتها فيه،ومن أولى الأمور في علاقتك بابنك أو ابنتك أن تُبنى هذه العلاقة على الصداقة والثقة ..
لا تكن فقط والدًا يأمر وينهى، بل كن مستشارًا، صديقًا، ومصدرًا للأمان ، اجعلهم يشعرون بأن من حقهم الحديث إليك دون خوف، وأن الخطأ لا يعني النبذ أو العقوبة القاسية، بل فرصة للفهم والتقويم ، شاركهم بعض اهتماماتهم، حتى لو بدت لك بسيطة، تفاعل معهم، استمع إليهم، واجعلهم يشعرون أن لا أحد في هذا العالم أكثر حبًا وحرصًا عليهم منك،فإن وقعوا في خطأ، علمهم أن يعودوا إليك لا أن يهربوا منك، وأنك ستكون دائمًا الحضن الذي يُصلح لا اليد التي تُقصي ، التربية بالحب لا تعني التراخي، بل تعني أن نبني في داخل أبنائنا ضميراً حياً، وقلباً نقياً، وقدرة على التمييز بين الخطأ والصواب بدافع ذاتي لا خارجي ، وهكذا، حين يكبرون، يكونون قد تمرّسوا على الحياة، قادرين على اتخاذ القرار، صامدين أمام المغريات، لأنهم نشأوا في بيئة تحترمهم وتُصغي إليهم، لا تراقبهم وتُهددهم .