|

خديعة التطرف ومعاداة الأوطان ..

الكاتب : الحدث 2025-06-28 06:46:31

بقلم : البروفيسور تركي بن عبدالمحسن بن عبيد
----------------------------------


 لماذا يُعادي المتطرف وطنه ويتطاول على ثوابته ومجتمعه وعائلته ..؟!
التطرف هي خديعة كبرى تُعمي الإنسان عن حقائق الواقع ، وتدفعه إلى معاداة كل ما يربطه بجذوره : وطنه و مجتمعه وثوابته وحتى عائلته ، في هذا المقال  أستعرض أسباب هذه الظاهرة في تحليلها العلمي ..

 لنبدأ ..
لماذا يتحول المتطرف إلى عدو لوطنه وكل ما يمثله؟ 

[التطرف: خديعة الوعود الكاذبة]
التطرف، سواء كان دينيًا أو سياسيًا أو اجتماعيًا، يبدأ غالبًا بوعود زائفة. يُغري المتطرفون أتباعهم بأحلام مثالية: "عدالة مطلقة"، "مجتمع مثالي"، أو "تطهير العالم من الفساد". هذه الوعود تستهدف عادةً الشباب الذين يشعرون بالإحباط أو فقدان الهوية، فيُقنعونهم بأن الحل يكمن في هدم النظام القائم ، بما في ذلك الوطن ومؤسساته، هذه الخديعة تجعل المتطرف يرى في وطنه عدوًا يجب القضاء عليه، بدلاً من رؤيته كإطار يحمي هويته وكيانه ..

لماذا يعادي المتطرف وطنه؟
معاداة الوطن لدى المتطرف تنبع من عدة عوامل نفسية واجتماعية وعقائدية:
غسيل الدماغ والاستقطاب الفكري: 
المتطرّف يخضع لغسيل دماغ يجعله يرى العالم من منظور أبيض وأسود ، يُقنعه قادة التطرف بأن الوطن هو جزء من "النظام الفاسد" الذي يجب محاربته. هذا المنظور يُعمي المتطرف عن إنجازات وطنه وتاريخه، ويجعله يركز فقط على السلبيات ..

الشعور بالاغتراب:
كثير من المتطرفين يشعرون بالتهميش أو الظلم الاجتماعي، سواء بسبب ظروف اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية ، هذا الشعور يُستغل من قبل الجماعات المتطرفة لزرع فكرة أن الوطن هو السبب في معاناتهم ، وأن تدميره هو السبيل لتحقيق العدالة ..

تبني هوية مضادة:
المتطرف يرفض الهوية الوطنية ويحل محلها هوية متخيلة، مثل "الأمة الافتراضية" أو "الجماعة المختارة". هذه الهوية المزيفة تجعله يرى نفسه منقذًا للعالم، بينما يعتبر وطنه عقبة في طريقه ..

[التطاول على الثوابت والمجتمع]
الثوابت الوطنية، سواء كانت دينية، ثقافية، أو اجتماعية، تمثل العمود الفقري للمجتمع. المتطرف يتطاول عليها لأنه يراها قيودًا تعيق "مشروعه الثوري". على سبيل المثال:
- التطاول على الدين: المتطرف الديني قد يحرف النصوص الدينية لتبرير أفعاله، أو يتهم المجتمع بأنه "منحرف" عن الدين الحقيقي، في محاولة لخلق شرخ بين الناس وثوابتهم.
- تحطيم النسيج الاجتماعي: المتطرف يسعى لتفكيك الروابط الاجتماعية، لأنها تمثل قوة تماسك المجتمع. يروج للانقسامات، سواء بين الأفراد أو الطوائف أو الطبقات ..
- رفض القوانين والمؤسسات: يرى المتطرف أن القوانين الوطنية والمؤسسات هي أدوات "النظام الفاسد"، فيسعى لتقويضها، مما يؤدي إلى الفوضى وتهديد استقرار المجتمع ..
لماذا يعادي المتطرف عائلته؟
العلاقة بين المتطرف وعائلته تتدهور غالبًا بسبب التحولات العميقة في شخصيته وسلوكه:
صراع القيم: العائلة غالبًا ما تمثل القيم التقليدية والوطنية التي يرفضها المتطرف. عندما يتبنى المتطرف أيديولوجية متشددة، يرى في عائلته تهديدًا لمعتقداته الجديدة ..
الانتماء لجماعة بديلة: الجماعات المتطرفة تُشعر الفرد بأنه جزء من "عائلة جديدة"، فتُحل محل العائلة الحقيقية. هذا الانتماء يدفع المتطرف لقطع صلته بأهله، لأنهم لا يشاركونه رؤيته المتطرفة .
الخوف من التأثير: العائلة، بطبيعتها، تسعى لحماية أفرادها، وقد تحاول إعادة المتطرف إلى جادة الصواب. هذا يجعل المتطرف يرى في عائلته عدوًا يحاول "إفساد" مشروعه ..

كيف نواجه التطرف؟
مواجهة التطرف تتطلب جهودًا شاملة:
- التعليم والتوعية: تعزيز التعليم الذي يركز على الهوية الوطنية والقيم المشتركة، مع تعزيز التفكير النقدي للوقاية من الأفكار المتطرفة ..
- تعزيز دور العائلة: دعم الأسر في بناء علاقات قوية مع أبنائها، لتكون خط الدفاع الأول ضد الأفكار الهدامة.
- الحوار المفتوح: إنشاء قنوات حوار بين المجتمع والأفراد الذين يبدون ميلاً للتطرف، لفهم دوافعهم ومعالجتها ..

(خاتمة) :
التطرف خديعة كبرى تسرق من الإنسان إنسانيته، وتجعله يعادي أقرب ما إليه: وطنه، مجتمعه، وعائلته. إنه مرض يبدأ في العقل والقلب، وينتهي بتدمير الفرد والمجتمع. مواجهته تتطلب وعيًا جماعيًا، وتعزيزًا للهوية الوطنية، وجهودًا لإعادة المتطرف إلى حضن وطنه ومجتمعه ، فالوطن ليس مجرد أرض، بل هو الهوية والتاريخ والمستقبل الذي يستحق الحماية والدفاع عنه .