قياس وتقييم التحول المؤسسي .. صمام أمان

بقلم د. بجاد بن خلف البديري
-----------------------------------
ونحن نرى اليوم تسارع وتيرة التغيير، وتسابق المؤسسات نحو تبني مبادرات التحول المؤسسي، الاستراتيجي، أو الثقافي، تبرز الحاجة الملحة لوضع بوصلة توجيه تضمن وصول هذه الجهود إلى أهدافها المنشودة ، إن هذه البوصلة ليست سوى عملية القياس والتقييم الدقيق لأثر مبادرات التحول المؤسسي؛ فبدونها، قد تظل المساعي الطموحة مجرد استثمارات بلا عائد حقيقي أو تغيير ملموس، وهنا تتجلى الأهمية القصوى لقياس وتقييم الأثر التي تنبع من عدة محاور جوهرية ..
أولاً، يضمن القياس ربط التحول بالأهداف الاستراتيجية العليا للمؤسسة، فكل مبادرة تحول يجب أن تخدم رؤية أوسع، ولا يمكن تأكيد هذا الارتباط إلا من خلال مؤشرات أداء واضحة وقابلة للقياس، هذا يُضفي الشرعية على المبادرات أمام القيادات وأصحاب المصلحة، ويحول الأهداف النظرية إلى نتائج قابلة للتتبع، مما يعزز المساءلة ويضمن توجيه الموارد نحو الأنشطة الأكثر فاعلية ..
ثانياً، يوفر التقييم المبني على البيانات فرصة حقيقية للتعلم والتحسين المستمر، ففي بيئة التحول المعقدة، من النادر أن تسير الأمور وفق الخطط الموضوعة تماماً، فالقياس المنتظم يسمح باكتشاف الانحرافات والمشكلات مبكراً، مما يتيح للإدارة اتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة بسرعة ومرونة، هذا النهج التكراري يضمن أن المؤسسة لا تكتشف الفشل بعد فوات الأوان، بل تستفيد من كل تحدٍ كفرصة لتحسين الأداء وتعديل المسار نحو الأفضل ..
ثالثاً، يعزز قياس أثر التحول المؤسسي، الكفاءة في تخصيص الموارد واتخاذ القرارات المستقبلية، وعندما تتمكن المؤسسة من إثبات العائد على الاستثمار (ROI) لمبادرة تحول معينة، سواءً كان ذلك في تحسين الكفاءة التشغيلية، وزيادة رضا العملاء، أو تعزيز الابتكار، فإن ذلك يوفر مبرراً قوياً لمواصلة الاستثمار في مبادرات مماثلة، كما يساعد في تحديد المبادرات الأقل فاعلية لإعادة تقييمها أو إيقافها، مما يمنع إهدار الجهود والموارد في مشاريع لا تحقق القيمة المرجوة ..
باختصار، إن قياس وتقييم أثر مبادرات التحول المؤسسي ليس مجرد خطوة إجرائية، بل هو صمام أمان استراتيجي يضمن أن المؤسسة لا تكتفي ببدء رحلة التغيير، بل تضمن وصولها إلى وجهتها بنجاح وكفاءة، إنه المفتاح لتحويل الوعود الطموحة إلى واقع ملموس وقيمة مستدامة .