مفهوم الأمن المجتمعي واستراتيجياته وجهود المملكة العربية السعودية

بقلم ـ البروفيسور تركي بن عبدالمحسن بن عبيد
@Prof_TURKIOBAID
------------------------------------
منذ صدور الأمر السامي بإنشاء الإدارة العامة للأمن المجتمعي، برزت المملكة كقوة رائدة في تعزيز هذا النوع من الأمن من خلال استراتيجيات شاملة وجهود مبتكرة و يُعد الأمن المجتمعي ركيزة أساسية لاستقرار الدول وازدهارها، فهو يتجاوز مفهوم الأمن التقليدي المتعلق بحماية الحدود والمؤسسات إلى تعزيز التماسك الاجتماعي، ومكافحة الجريمة، وتوفير بيئة آمنة تمكّن الأفراد من العيش بسلام واطمئنان ..
وفي المملكة العربية السعودية، اكتسب الأمن المجتمعي أهمية متزايدة مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة، خاصة في ظل رؤية 2030 التي تهدف إلى بناء مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ..
واستعراض في هذا المقال مفهوم الأمن المجتمعي استراتيجياته، وأبرز جهود المملكة في هذا المجال.
[مفهوم الأمن المجتمعي]: الأمن المجتمعي هو مفهوم شامل يهدف إلى حماية المجتمع من التهديدات الداخلية والخارجية التي قد تعكر صفو الاستقرار الاجتماعي، مثل الجريمة، والإدمان، والعنف الأسري، والتطرف الفكري، بالإضافة إلى التحديات الناشئة مثل الجرائم الإلكترونية. يعتمد هذا المفهوم على مبدأ المشاركة المجتمعية، حيث يتحمل الأفراد والمؤسسات مسؤولية مشتركة في تعزيز الأمن والسلم الاجتماعي، يركز الأمن المجتمعي على الوقاية قبل العلاج، من خلال تعزيز التوعية، تحسين جودة الحياة، وتوفير بيئة آمنة تدعم التنمية المستدامة،استراتيجيات الأمن المجتمعي في المملكة: تعتمد المملكة العربية السعودية على استراتيجيات متكاملة لتحقيق الأمن المجتمعي، تشمل:تعزيز التوعية الأمنية: يتمثل ذلك في نشر الوعي بين أفراد المجتمع حول أهمية الأمن الشامل، بما في ذلك الأمن السيبراني، الفكري، والاجتماعي، من خلال حملات إعلامية وبرامج تعليمية.تطوير الأطر التنظيمية والقانونية: أصدرت المملكة أنظمة وقوانين صارمة لمكافحة الجريمة بكافة أشكالها، مع التركيز على الوقاية من الجرائم قبل وقوعها.التكامل بين الجهات الحكومية: يتمثل ذلك في التنسيق بين الأمن العام، مركز الأمن الوطني، والهيئة الوطنية للأمن السيبراني لمواجهة التحديات الأمنية بكفاءة.استخدام التكنولوجيا الحديثة: تُستخدم التقنيات المتطورة مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات للكشف المبكر عن الجرائم وتعزيز الأمن السيبراني،تمكين المجتمع: تشجع المملكة مشاركة المواطنين والمقيمين في برامج الأمن المجتمعي، مثل برامج التوعية بمخاطر المخدرات والجرائم الإلكترونية، مما يعزز الشعور بالمسؤولية المشتركة،جهود المملكة منذ الأمر السامي: منذ صدور الأمر السامي بتطوير منظومة العمل الأمني وإنشاء الإدارة العامة للأمن المجتمعي بتوجيهات صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، شهدت المملكة طفرة نوعية في تعزيز الأمن المجتمعي، تشمل أبرز الجهود:إنشاء الإدارة العامة للأمن المجتمعي: في فبراير 2025، أُعلن عن استحداث هذه الإدارة لتعزيز كفاءة مكافحة الجريمة وتطوير منظومة الأمن الشامل. خلال أيام من تأسيسها، نفذت الإدارة عمليات أمنية ناجحة، مثل القبض على شبكات دعارة ومخالفين في الرياض، مما يعكس سرعة الاستجابة والكفاءة العالية.تعزيز الأمن السيبراني: أصبحت المملكة رائدة عالميًا في الأمن السيبراني، حيث احتلت المرتبة الثانية عالميًا في مؤشر الأمن السيبراني العالمي، بفضل استراتيجيات شاملة لحماية البنية التحتية الرقمية وتطوير برامج مثل "سايبرك" لتنمية قطاع الأمن السيبراني.
مكافحة الجريمة والإرهاب: منذ تأسيس الدولة السعودية الثالثة عام 1902ركزت المملكة على مكافحة الجريمة والإرهاب .. وفي العصر الحديث، برامج التوعية والتدريب: أطلقت المملكة حملات توعوية مثل شهر أكتوبر للتوعية بالأمن السيبراني، بالإضافة إلى برامج تدريبية للشباب لتعزيز مهاراتهم في مواجهة التحديات الأمنية..
دعم رؤية 2030: يرتبط الأمن المجتمعي ارتباطًا وثيقًا برؤية 2030، التي تهدف إلى تحقيق مجتمع آمن ومستقر من خلال تعزيز جودة الحياة، حماية الأمن الوطني بأبعاده السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية، وتطوير البنية التحتية الأمنية.
إنجازات ملموسة: نتيجة هذه الجهود، صنّفت المملكة ضمن أكثر الدول أمانًا عالميًا، حيث ينعم المواطنون والمقيمون والزوار بالأمن والاستقرار. كما ساهمت المنظومة الأمنية في تحقيق تقدم ملحوظ في مكافحة الجرائم التقليدية والإلكترونية، وتعزيز الثقة بين المجتمع والمؤسسات الأمنية. على سبيل المثال، أدت العمليات الأمنية السريعة التي نفذتها الإدارة العامة للأمن المجتمعي إلى تفكيك شبكات إجرامية في وقت قياسي، مما عزز شعور المواطنين بالأمان ..
التحديات وآفاق المستقبل: على الرغم من الإنجازات، تواجه المملكة تحديات مثل تزايد الجرائم الإلكترونية والتهديدات السيبرانية، بالإضافة إلى التحديات الاجتماعية مثل الإدمان والعنف. لمواجهة هذه التحديات، تعمل المملكة على تطوير قدراتها من خلال الاستثمار في التكنولوجيا، تعزيز التعاون الدولي، وتوسيع برامج التوعية لتشمل جميع شرائح المجتمع. كما تسعى إلى تعزيز دور القطاع الخاص في دعم الأمن المجتمعي، مثل مبادرات "دفاتر" لإدارة الموارد الآمنة ..
خاتمة: يُعد الأمن المجتمعي في المملكة العربية السعودية نموذجًا رائدًا يجمع بين التقاليد والحداثة، حيث استطاعت المملكة منذ صدور الأمر السامي تعزيز منظومة أمنية شاملة ترتكز على التوعية، التكنولوجيا، والمشاركة المجتمعية. من خلال رؤية 2030 والجهود المستمرة للإدارة العامة للأمن المجتمعي، تواصل المملكة بناء مجتمع آمن ومستقر يدعم التنمية المستدامة ويضمن جودة الحياة للجميع. إن هذه الجهود ليست مجرد إجراءات أمنية، بل هي استثمار مستدام في مستقبل وطن ينعم بالأمن والأمان .