السبيل إلى التعافي.

بقلم الدكتور: محمد بن مرضي
التعافي عملية إنسانية معقدة، تتجاوز مجرد التخلص من الأعراض المرضية أو المشكلات النفسية ، لتشمل إعادة بناء المعنى الشخصي للحياة ، واستعادة التوازن الداخلي، وتعزيز القدرة على التكيف مع التحديات ، وقد اكتسب مفهوم “التعافي” اهتماماً متزايداً في العلوم الإنسانية والطبية ، إذ لم يعد يُنظر إليه كغاية علاجية فحسب ، بل كمسار طويل المدى يتضمن أبعاداً معرفية ونفسية واجتماعية وروحية.
وتشير الدراسات النفسية إلى أن التعافي ليس نقطة نهاية ، بل مساراً مستمراً يتخلله تقدم وانتكاسات ، ومن هنا فإن التركيز لا ينصبّ على غياب الألم أو الضيق ، وإنما على اكتساب مهارات للتعايش معه ، وتحويل التجربة الصعبة إلى خبرة بنّاءة تسهم في نمو الشخصية.
كما أن هناك أبعاد متعددة للتعافي أولها "البعد النفسي" حيث يتجلى في تنمية المرونة النفسية لدى الإنسان ، وتبنّي استراتيجيات المواجهة الإيجابية ، والقدرة على إدارة الانفعالات ، وكذلك "البعد المعرفي" الذي يقوم على إعادة هيكلة الأفكار السلبية ، وتبني أنماط معرفية أكثر توازناً وواقعية ، أما "البعد الاجتماعي "فيتضمن تعزيز شبكات الدعم الأسري والإنساني في المجتمع المحيط ، وإعادة بناء الثقة في العلاقات الإنسانية ، مروراً بالبعد الروحي والقيمي الذي يتمثل في البحث عن المعنى، والعودة إلى منظومة القيم التي تمنح الفرد شعوراً بالغاية والاتجاه.
كما أننا كبشر نستطيع تعزيز آليات التعافي عند الحاجة لذلك من خلال زيارة المختصين في العلاج النفسي والعلاج المعرفي السلوكي والعلاج المتمركز حول الحل إذا تصالح الإنسان مع نفسه وعرف أن زيارتهم ليست وصمة ، وكذلك التأهيل المجتمعي من خلال دمج الأفراد في أنشطة اجتماعية ومهنية تعيد لهم الشعور بالجدوى ، وأيضاً الدعم الأسري حيث يلعب المحيط العائلي دوراً محورياً في احتواء الفرد وتشجيعه على المثابرة ، وفي الممارسات الذاتية مثل التأمل والكتابة التعبيرية والرياضة ، ما يعزز الإحساس بالسيطرة على الذات وتنظيمها.
وفي أحيان أخرى قد يواجه الأفراد في رحلة التعافي عقبات عدة ، من بينها الوصمة الاجتماعية ، ونقص الموارد العلاجية ، وضعف الوعي المجتمعي ، وهذه التحديات قد تعرقل التقدم ، لكنها في الوقت ذاته تحفّز على البحث عن حلول مبتكرة ، كبرامج التثقيف النفسي ، أو منصات الدعم الرقمي.
إن السبيل إلى التعافي ليس خطاً مستقيماً ، بل طريقاً متعرجاً تتخلله لحظات ضعف وقوة ، غير أنّ جوهره يتمثل في قدرة الإنسان على إعادة بناء ذاته من جديد ، مستنداً إلى مرونته الداخلية ، وشبكات دعمه الاجتماعية ، ومعناه الوجودي ، ومن هنا يغدو التعافي أكثر من مجرد شفاء ، إنه فن إعادة اكتشاف وتشكيل الذات ، وصياغة حياة تتسع للألم والأمل معاً.