|

الخدمات اللوجستية في المملكة العربية السعودية

الكاتب : الحدث 2025-09-15 08:23:34

أ. د. محمد بن علي مباركي 
أكاديمي وكاتب

 
أقرَّ مجلس الوزراء الموقر في العام 1440 هـ، استحداث وكالة الخدمات اللوجستية ضمن هيكلة وزارة النقل، وحدّد القرار الكريم أهدافها ومهامها ، ثم جاء قرار مجلس الوزراء الموقر لعام 1442هـ،- بعد الاطلاع على محضر مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية - بتعديل مسمى (وزارة النقل) ليصبح (وزارة النقل والخدمات اللوجستية)، والموافقة على الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية في نفس القرار. ولا شك أن القطاع اللوجستي في المملكة يعتبر قطاعًا حديثًا نسبيًا في منظومه النقل - كما أشرت إلى ذلك في مقال سابق - ، وقد جاءت الموافقة على الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية متزامنة مع تغيير مسمى الوزارة في رسالة مباشرة وقوية لتطوير هذا القطاع المهم، خاصةً أن هذه البلاد الطيبة المباركة تحتضن أشرف البقاع مكة المكرمة والمدينة المنورة، وخدمتهم شرف وواجب. وحيث العاصمة الرياض بيت صناعة السياسة والاقتصاد في العالم ، ومركز الثقل الحقيقي في الشرق الأوسط، وصاحبة الإرث التاريخي والثقافي الكبير، وللمملكة مدن سياحية يقصدها السائحون من أماكن عدة، والمملكة مع كل تلك الميزات تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي يمكنها من ربط أسواق التجارة العالمية لترسيخ مكانتها كمركز لوجستي عالمي، واختيارها كمحور للأعمال بفضل قوتها اللوجستية. (Choice  of Hub).
وتسير المملكة قدمًا وفق رؤيتها 2030 في التركيز علي التكامل والترابط بين هذه البنى التحتية الوطنية لتأكيد مكانتها وهي قادرة- بإذن الله- على ذلك، فالمملكة -أعزَّها الله- تقع على منفذين مائيين مهمين (البحر الأحمر والخليج العربي)، حيث أن 35% من صادرات النفط العالمية تمر عبر مياه الخليج العربي و20% من تجارة العالم تمرّ عبر مياه البحر الأحمر، تحوي أرصفة متطورة على المنفذين المائيين، وللمملكة مطارات دولية وإقليمية متطورة استثمرت فيها الدولة منذ عقود ؛ فزادت الطاقة الاستيعابية للمطارات ، وتحسنت الخدمات اللوجستية لجميع مرافق المطارات وصالات السفر، وأنشأت المملكة شبكة طرق تمتد على طول الوطن وعرضه سهله وجبله شاقة الأنفاق في جبالها ومتجاوزة الأودية السحيقة بجسورها، وهي تسعى بقوة في تنفيذ مشاريع كبيرة للبنية التحتية للسكك الحديدية، ويعد مشروع الجسر البري السعودي أحد أكبر مشاريع البنية التحتية المخطط لها في المملكة العربية السعودية ، ويتم تنفيذ المخطط من قبل الخطوط الحديدية السعودية (.(SAR.
تناول المختصون تعريف الخدمات اللوجستية من زوايا مختلفة، فقد بدأ استخدام هذا مصطلح الخدمات اللوجستية كمصطلح عسكري يستخدم لعمليات الإمداد ونقل المعدات العسكرية وتخزينها. وفي هذه الأيام أصبح المصطلح يستخدم على نطاق واسع خاصةً في قطاع الأعمال للإشارة إلى كيفية التعامل مع الموارد المختلفة ونقلها عبر سلاسل الإمداد، وببساطة نستطيع أن نعرف الخدمات اللوجستية على أنها"عملية شاملة للحصول على موارد وتخزينها ونقلها إلى جهتها النهائية "، آخذين في الاعتبار ضرورة معرفة الموزعين والموردين المحتملين ، وتحديد مدى فعاليتهم وإمكانية الوصول إليهم، لأن ضعف الخدمات اللوجستية يؤثر على نتائج العمل النهائية. لهذا تحرص الدول والشركات على إنشاء سلاسل توريد فعّالة وإجراءات لوجستية متطورة لتقليل التكاليف والحفاظ على الكفاءة وزيادتها. ولعبت جائحة كورونا دورًا كبيرًا في إعادة مفهوم الخدمات اللوجستية ، وعانت كثير من الدول في إيصال ما تحتاجه مجتمعاتهم، وتعتبر السعودية من أقل الدول تأثرًا بفضل دعم الاقتصاد والنظام القوي متعدد الوسائل الذي ظهر قوته وقدرته على التكيف في مواجهة أصعب الأزمات.
ولا شك أن التعقيد المتزايد في إمداد الشركات والدول بالموارد التي تحتاج إليها، إلى جانب التوسع العالمي لسلاسل الإمداد،والتوسع في التجارة الإلكترونية، والتطور الهائل في تقنية المعلومات أثّر في مفهوم الخدمات اللوجستية. وقد نتج عن ذلك تطوير برامج إدارة الخدمات اللوجستية ، وإنشاء شركات متخصصة تركز على الخدمات اللوجستية. كما مكن التقدم في علم الخدمات اللوجستية بعض الشركات من الهيمنة على السوق مثل أمازون في تجارة التجزئة على سبيل المثال لا الحصر.
تستعين كثير من الشركات في عمليات التصنيع وخلافه بمصادر خارجية لإدارة الخدمات اللوجستية الخاصة بها من المتخصصين داخليًا إذا كان ذلك فعالاً من حيث التكلفة، مما أدى إلى زيادة الطلب على المؤهلين علميًا كأخصائيين خدمات لوجستية ومديري عمليات لوجستية. وإجمالاً، فإن الدول والشركات التي تسعى للانفراد بميزة تنافسية في أعمالها، يلزمها تحسين كفاءتها في جميع نقاط خطوات سلاسل الإمداد اللوجستية،حيث تضيف لها ميزة تقدير العميل وهي في نفس الوقت تقلل التكاليف وتعزز الأرباح. وقد أدركت الحكومة السعودية -أعزَّها الله- أهمية تحسين الكفاءة في العمليات اللوجستية ، ووضعت لها مستهدفات ومؤشرات بحلول 2030 ، أسردها فيما يلي:
• زيادة أعداد المسافرين لأكثر من 330 مليون مسافر.
• زيادة الشحن الجوي ليزيد عن أربعة مليون طن ونصف.
• زيادة حاويات الشحن لتفوق الأربعين مليون حاوية.
• أن تحقق المملكة العربية السعودية المرتبة الخامسة عالميًا في الحركة العابرة.
• الحصول على تصنيف لثلاث مدن سعودية بين أفضل 100 مدينة في العالم.
• أن تكون المملكة أحد أفضل عشر دول في مؤشر الأداء اللوجستي.
• الوصول إلى المرتبة السادسة في جودة الطرق.
ولتحقيق هذه المستهدفات والمؤشرات عملت الدولة على تمكين هذا القطاع المهم، حيث أطلق سيدي سمو ولي العهد -حفظه الله- المخطط العام للمراكز اللوجستية في عام 1445هـ، والذي يهدف إلى تطوير البنية التحتية للقطاع اللوجستي في المملكة وتنويع الاقتصاد المحلي، كما يهدف إلى تعزيز مكانة المملكة كوجهة استثمارية رائدة ومركز لوجستي عالمي. ويضم المخطط العام للمراكز اللوجستية تسع وخمسون (59) مركزاً بإجمالي مساحة تتجاوز المائة (100) مليون متر مربع، تتضمن اثنا عشر (12) مركزًا لوجستيًا لمنطقة الرياض، واثنا عشر (12) مركزًا لوجستيًا لمنطقة مكة المكرمة، وسبعة عشر (17) مركزًا لوجستيًا للمنطقة الشرقية، وثمانية عشر (18) مركزًا لوجستيًا في بقية مناطق المملكة. ويمكن لهذا المخطط تحسين التكامل مع أنماط النقل عبر تعزيز الروابط بين النقل البحري والجوي والطرق والسكك الحديدية لتحسين خدمات البضائع والشحن؛ مما يجعل المملكة محورًا رئيسيًا لجميع المشاريع العالمية الرامية لتطوير التجارة بين الشرق والغرب والربط مع دول الجوار، وهذا يحسّن في إجراءات وتشريعات تراخيص الخدمات اللوجستية، بالإضافة إلى أن الحكومة السعودية تبنت التقنيات الذكية، والتحول الرقمي بتقنيات وحلول رقمية مبتكرة، مثل الذكاء الاصطناعي؛ لتحسين إدارة العمليات ، وتسهيل التواصل بين مختلف أنماط النقل والجهات، وتحسين الشفافية، وزيادة الكفاءة، وتقليل التكاليف. مع العلم أن توفير الخدمات اللوجستية المتقدمة يقلل التكلفة لنقل ، وتخزين البضائع السعودية المنشأ ، ويشجع مبادرات الصناعة المحلية، ويجذب المستثمرين الصناعيين الجدد للاستفادة من هذه المزايا. ومن جهة أخرى فقد شرَّعت الدولة أنظمة جديدة ، وطورت أنظمة قائمه لدعم وتمكين قطاع الخدمات اللوجستية عن طريق التمويل السخي الذي يقدمه صندوق التنمية الصناعية السعودي للمشاريع في جميع مجالات قطاع الخدمات اللوجستية ذات العلاقة.
وتجدر الإشارة إلى أن حجم قطاع النقل ومنصاته اللوجستية بالمملكة العربية السعودية يقدر بما يزيد على أربعه عشر (14) ترليون ريال سعودي. وتبذل الحكومة السعودية كل ما في وسعها من أجل بناء اقتصاد قوي قادر على منافسة الاقتصادات العالمية، كما ونظمت أول ملتقى عالمي لوجستي بالعاصمة الرياض في الفترة 12-14 أكتوبر2024 تحت رعاية سيدي الملك سلمان بن عبد العزيز-حفظه الله-؛ وذلك لتمكين القطاع اللوجيستي بالمملكة، والتأكيد على ريادتها العالمية في مجال الخدمات والعمليات اللوجستية، وبفضل هذه الجهود الجبارة تسير المملكة لتعزز مكانتها كلاعب رئيس على الساحة اللوجستية العالمية لتكون ضمن أفضل عشر (10) دول في الأداء اللوجستي.