|

القمقم خطاب الحرية والوجود

الكاتب : الحدث 2025-09-04 10:27:06

الحدث - عارف أحمد 

مسرحية“القمقم”، الحاصلة على عدة جوائز في مهرجان عشيات طقوس المسرحي الدولي في الأردن. يقوم التحليل على مقاربة أكاديمية تسعى إلى الكشف عن كيفية توظيف النص والإخراج والسينوغرافيا لبناء خطاب رمزي حول الحرية، الزمن، والوجودو أثر العرض في تكريس الهوية الطقسية للمهرجان وتعزيز حضور المسرح السعودي في المشهد العربي.

1. إشكالية الدراسة:
تتمثل الإشكالية الرئيسة في التساؤل: كيف استطاع عرض “القمقم” أن يحوّل حكاية فردية عن السجن والحرية إلى خطاب مسرحي رمزي يفتح أفقًا فلسفيًا وإنسانيًا أوسع؟
ويتفرع عن هذا السؤال محاور أخرى:
•    ما دور النص في صياغة المفارقة الدرامية؟
•    كيف أسهم الإخراج والسينوغرافيا في بناء رمزية العرض؟
•    ما القيمة الفنية والأكاديمية التي يضيفها العمل إلى المسرح العربي المعاصر؟

2. منهج الدراسة

نعتمد هنا على المنهج التحليلي – التأويلي؛ إذ يتم تحليل عناصر العرض (النص، الإخراج، السينوغرافيا، الرمز) في ضوء نظريات المسرح الرمزي والطقسي. كما يُستأنس بالمقاربة السيميائية لفهم كيفية إنتاج المعنى عبر الفضاء المسرحي.

3. تحليل العرض:
أ-النص: الحرية المؤجلة
تأليف الكاتب عبدالعزيز اليوسف 

النص ينهض على مفارقة درامية مركزية: بطل يقضي عقودًا في السجن ظلمًا، ثم يُعلن عن براءته، لكنه يرفض مغادرة سجنه. هذه المفارقة تكشف عن إشكالية فلسفية عميقة؛ إذ تتحول الحرية المتأخرة إلى عبء، والسجن إلى ملاذ. النص إذن لا يحكي مأساة فردية فحسب، بل يطرح إشكالية إنسانية حول معنى الحرية حين تُسلب طويلاً، ويتخلل ذلك مواقف كوميدية ( كوميديا سوداء) بطرح بعض القصص في السجون بقالب رسائلي طريف . 

ب- الإخراج: الفضاء كخطاب رمزي
إخراج سلام السنان
اعتمد الإخراج على تحويل القضبان إلى عنصر مركزي قابل للتحول: مرة زنزانة، مرة جدارًا، ومرة ممرًا. هذه المرونة الرمزية سمحت للفضاء بأن يعكس تداخل الداخل والخارج، السجن والوطن. الإخراج لم يكتفِ بمحاكاة الواقع، بل وظّف الخشبة بوصفها فضاءً للتأويل، ما جعل المشاهد شريكًا في إنتاج المعنى.

ج- السينوغرافيا: الضوء بوصفه لغة
عادل القطان 

الإضاءة جاءت لتؤكد على العزلة والانكسار الداخلي للبطل، مستخدمة التباين بين الضوء والظل لإبراز مأزق الوجود. أما التوزيع الحركي للأجساد على الخشبة فقد منح العرض بعدًا طقوسيًا، حيث الأداء يتجاوز التمثيل الواقعي ليصبح أقرب إلى الطقس المسرحي الذي يعبّر عن صراع الإنسان مع قدره.

د- الرمز: القمقم كأسطورة

يحيل العنوان إلى القمقم الأسطوري الذي يُحتجز فيه مارد هائل. غير أن البطل في العرض لا يرغب بالخروج من قمقمه، ليصبح القمقم استعارة عن الاعتياد على القيود وفقدان القدرة على التكيّف مع الحرية. هذه الاستعارة تمنح العرض أفقًا أسطوريًا يجعل الحكاية متجاوزة لحدودها المحلية لتلامس البعد الإنساني الكوني يجسد ذلك فنان من عالم الإحتراف الذي أعطى العرض نكهته الخاصة الفنان الرائع حسين يوسف في مزيج جميل مع الجوكر الفنان ناصر عبدالواحد في ثنائية عظيمة على خشبة المسرح . 

الإنجازات الدولية : 
•    نجح العرض في توظيف النص الرمزي والإخراج السينوغرافي لطرح أسئلة فلسفية حول الحرية والوجود ، والحصول على ٤ جوائز من أصل 7 جوائز في منافسة دولية وحاز على جائزة أفضل إخراج.
•    ساهمت السينوغرافيا المرنة (القضبان/الإضاءة) في تحويل الفضاء إلى نص بصري مفتوح للتأويل وحازت على جائزة أفضل سينوغرافيا. 
•    يؤكد العرض حضور المسرح السعودي في المهرجانات العربية بوصفه مسرحًا قادرًا على التنافس من خلال العمق الرمزي لا الاستعراض السطحي وحازت على جائزة أفضل نص مسرحي . 
•    “القمقم” يعكس هوية مهرجان عشيات طقوس نفسه، حيث الطقس والرمز يشكلان حجر الأساس في التجارب المسرحية المعروضة وحازت على جائزة أفضل عرض متكامل . 


مسرحية “القمقم” ليست مجرد عرض مسرحي نال جوائز، بل تجربة مسرحية تحمل أبعادًا فلسفية وجمالية متداخلة، استطاعت أن تجعل من الحكاية الفردية مرآةً للوجود الإنساني في علاقته بالحرية والزمن. إن نجاح العرض يؤكد أن المسرح العربي، حين يتسلح بالرمزية وبالاشتغال الطقسي، قادر على إعادة صياغة أسئلة الإنسان الكبرى ضمن قوالب جمالية مبتكرة، وعلى الحضور في المشهد الدولي بثقة وفاعلية.