|

بنك المشاعر ..!

الكاتب : الحدث 2025-05-07 10:49:23

بقلم / علي بن أحمد الزبيدي
 

بنك المشاعر هذا البنك الذي تُودع فيه الأحاسيس وتُستثمر الإنسانية بأسمى قيمها في عالمٍ يلهثُ وراءَ المادّةِ، وأصبحت تُقاسُ القيمةُ بالعملاتِ والأرباحِ بين الناس، يطفو سؤالٌ وجوديٌّ: أينَ مكانُ المشاعرِ في هذه المعادلةِ؟ وكيفَ نُحافظُ على إنسانيتِنَا وسطَ ضجيجِ الآلةِ؟ 

من هنا، وُلِدَتْ فكرةُ "بنكِ المشاعرِ" كَمَشروعٍ افتراضيٍّ يُعيدُ تعريفَ الثروةِ، ويجعلُ من الحُبِّ واللُّطفِ والعطاءِ عُملةً نادرةً تُنقذُ العالمَ من جفافِ الروحِ.  

بنكُ المشاعرِ ليسَ مبنىً مَصرفيًّا تقليديًّا، بل هو فضاءٌ مفتوحٌ تَتبادَلُ فيهِ البشريةُ "مشاعرَ" كالعطفِ، والامتنانِ، والأملِ، بدلًا من النقود والأموال . 

الفكرةُ تقومُ على مبدأ بسيطٍ كلَّما أودعتَ مشاعرَ إيجابيةً في حياةِ الآخرينَ، زادَ رصيدُكَ العاطفيُّ، وكلَّما سحبتَ غضبًا أو كراهيةً، اقتربتَ من إفلاسِ روحِكَ. هذا البنكُ لا يعترفُ بالحدودِ أو العملاتِ، فالعطاءُ فيهِ لا يُقاسُ بالكمِّ، بل بنقاءِ النيةِ.

ولبنك المشاعر فروع وعملات وفوائد ، ففروعُ البنكِ ثلاثة لا تقبل الزيادة لكنّها تتكرر في كل مكان وزمان .

  وأول فروعه الأسرة حيثُ تُودعُ حضنًا دافئًا لبعضها، فتسحبُ منه طاقةً للحياة .  

   أمّا ثانيها الصداقةُ ، فكلمةُ تشجيعٍ لصديقٍ مُنهكٍ تُسجَّلُ في رصيدِكَ كـ"أمانةٍ عاطفيةٍ".  

وثالثها المجتمعُ ، فمساعدةُ غريبٍ أو ابتسامةٌ لمُحتاجٍ تُضيفُ إلى "حسابِكَ الإنسانيِّ"رصيداً لا يستهان به .

أما عملته فالحُبُّ والعطاء بكل قيمه ودرجاته وهما العملةُ الذهبيةُ، وتزدادُ قيمة العملة كلَّما انتشرتْ بين الناس .

   ولهذه العملة فوائد ربحية لكنّها فوائد مشروعة وكلَّما استثمرتَ في الآخرينَ، زادَ ربحُكَ من السَّعادةِ الداخليةِ، كما يقولُ الفيلسوفُ *أرسطو*:  
    "السعادةُ لا تَنبعُ من الامتلاكِ، بل من العطاءِ".

ونحن اليوم في حاجّة ماسّة لبنك المشاعر لعدة أسباب منها :
- تعرضنا لجائحةُ الوحدةِ 
   ففي عصرِ السوشيال ميديا، يعيشُ 30% من الشبابِ عزلةً (حسبَ إحصاءاتِ منظمةِ الصحةِ)، وبنكُ المشاعرِ يُعيدُ ربطَهم بالآخرِ عبرَ "معاملاتٍ" بسيطةٍ.  

- الاستهلاكُ المفرطُ لحياتنا ، فالبشرُ يُدمّرونَ الكوكبَ بحثًا عن السَّعادةِ الماديةِ، بينما لو حوّلوا 10% من هذا الجهدِ إلى عطاءٍ عاطفيٍّ، لاختلفَ العالمُ.  

- انتشار الاضطراباتُ النفسيةُ كالاكتئابُ والقلقُ بين الناس والتي انتشرت كالنارِ في الهشيمِ.

ولأن البنوك في الواقع تواجه تحديات قد تجعلها تنهار فبنك المشاعر قد تواجهه بعض التحديات التي توثر على عمل البنك وقد تتسبب في إفلاسه وانهيار منظومته.

- فالتضخمُ العاطفيّ بسبب كثرةُ المنصاتِ الرقميّةِ حوّلتِ المشاعرَ إلى "إعجاباتٍ" سريعةٍ تفتقرُ للعمق العاطفي ، وأصبحت مجرد روتين أو علامة قد لا تظهر صدق المشاعر .

- ⁠وتعد قرصنةُ المشاعرِ من معاول الهدم ، فالبعضُ يستغلُّ عواطفَ الآخرينَ للكسبِ الماديِّ والاستغلال، كالمُتسوّلينَ المُحتالينَ الذين أثروا على عطاء الناس ماديًا ممّا يؤثّر على ثقة الناس في العطاء والحب فأصبحوا يتخوفون من استغلال مشاعرهم واستهلاكها في غير محلها .

- ويأتي الإفلاسُ العاطفيُّ عند الآخرين وعدم مبادلة الشعور وتقدير النفوس ليكون أكبر أداة تستنفد العواطف والمشاعر ، فهناك أناسٌ يَأخذونَ ولا يعطونَ، وعندها ينهارُ "الاقتصادُ الوجدانيُّ". 

(همسة الختام) :
بنكُ المشاعرِ ليسَ خيالًا، بل هو قرارٌ يوميٌّ بأن نختارَ الإنسانيةَ التي تذكّرُنا أنَّ أعظمَ الثرواتِ لا تُحصى بالأرقامِ، بل بالقلوبِ التي أَسعدتَها، والدموعِ التي مسحْتَها، والأملِ الذي زرعتَهُ .