|

الأمن البشري ركيزة أساسية لتعزيز الأمن الوطني ..

الكاتب : الحدث 2025-07-17 06:55:10

  بقلم ــ أ.د. تركي بن عبدالمحسن بن عبيد 

 


الأمن البشري في قلب الأمن الوطني ..
ففي عالم يواجه تحديات معقدة، من التغيرات المناخية إلى التهديدات السيبرانية والإرهاب، أصبح الأمن البشري عنصرًا لا يتجزأ من استراتيجيات الأمن الوطني. الأمن البشري الذي يركز على حماية الأفراد من التهديدات مثل الفقر، الأمراض، العنف، وانعدام الأمن الغذائي، ليس مجرد هدف إنساني بل ركيزة أساسية لضمان استقرار الدول وتماسكها الاجتماعي. هذا التقرير يسلط الضوء على العلاقة الوثيقة بين الأمن البشري والأمن الوطني، مع أمثلة واقعية وآراء حديثة من مناقشات عالمية ..

ما هو الأمن البشري؟
ظهر مفهوم الأمن البشري لأول مرة في تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عام 1994، ويعرف بأنه حماية الأفراد من التهديدات التي تعيق حياتهم وكرامتهم ، يشمل الأمن البشري سبعة أبعاد رئيسية : الأمن الصحي، الغذائي، الاقتصادي، البيئي، الشخصي، المجتمعي، والسياسي، على عكس الأمن الوطني التقليدي الذي يركز على حماية الدولة من التهديدات العسكرية، يضع الأمن البشري الفرد في مركز الاهتمام ..

ومع ذلك، فإن الأمن البشري لا ينفصل عن الأمن الوطني .. فالدول التي تعاني من الفقر المدقع، أو الأوبئة، أو الاضطرابات الاجتماعية، تصبح أكثر عرضة للتهديدات الداخلية والخارجية ، على سبيل المثال، تفاقم انعدام الأمن الغذائي في بعض الدول العربية أدى إلى اضطرابات اجتماعية، مما أثر على الاستقرار السياسي والأمن القومي ..

الأمن البشري والأمن الوطني مترابطان بشكل وثيق، حيث يعزز كل منهما الآخر. إذا كانت الدولة قادرة على توفير بيئة آمنة ومستقرة لمواطنيها، فإن ذلك يقلل من مخاطر الاضطرابات الداخلية ويعزز قدرتها على مواجهة التهديدات الخارجية. فيما يلي أبرز النقاط التي توضح هذه العلاقة :

1. الاستقرار الاجتماعي والتماسك الوطني :
   - انعدام الأمن البشري، مثل الفقر أو البطالة، قد يؤدي إلى احتجاجات أو تمرد، مما يهدد الأمن الوطني، على سبيل المثال، شهدت بعض الدول العربية خلال "الربيع العربي" (2010-2011) اضطرابات ناتجة عن انعدام الأمن الاقتصادي والبشري، مما أثر على استقرارها ..
   - مناقشات حديثة على منصة X (حتى 17 يوليو 2025) أشارت إلى أن ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب في مناطق معينة يزيد من مخاطر التطرف، مما يؤثر على الأمن القومي ..

2. الأمن الصحي والاستجابة للأوبئة :
   - جائحة كوفيد-19 أظهرت كيف يمكن أن يؤدي انعدام الأمن الصحي إلى تعطيل الاقتصادات والأمن الوطني. الدول التي استثمرت في أنظمة صحية قوية كانت أكثر قدرة على الحفاظ على استقرارها خلال الأزمة ..
   - تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية (2024) أكد أن تحسين الأمن الصحي يقلل من الضغط على الموارد الأمنية، مما يعزز قدرة الدول على مواجهة التهديدات الأخرى ..

3. الأمن البيئي وتغير المناخ :
   - التغيرات المناخية، مثل الجفاف وارتفاع مستوى سطح البحر، تهدد الأمن الغذائي والمائي، مما يؤدي إلى هجرة جماعية وصراعات داخلية. على سبيل المثال، أدى نقص المياه في بعض مناطق الشرق الأوسط إلى توترات اجتماعية وسياسية.
   - منشورات على منصة X أبرزت مخاوف من أن التغيرات المناخية قد تؤدي إلى "هجرة مناخية" تهدد استقرار الدول المجاورة ..
4. مكافحة التطرف والإرهاب :
   - انعدام الأمن البشري، مثل الفقر والتهميش، يوفر أرضية خصبة للتطرف. الدول التي تعزز التعليم والفرص الاقتصادية تقلل من مخاطر الإرهاب، مما يدعم الأمن الوطني ..
   - دراسة من مركز RAND (2024) أشارت إلى أن برامج التوعية المجتمعية قللت من التطرف في دول مثل الأردن وإندونيسيا ..

تحديات ربط الأمن البشري بالأمن الوطني
على الرغم من أهمية الأمن البشري، تواجه الدول تحديات في دمجه ضمن استراتيجيات الأمن الوطني:
- التضليل الإعلامي: مناقشات على منصة X أشارت إلى أن حملات التضليل عبر الإنترنت قد تزيد من التوترات الاجتماعيةمما يعيق جهود تعزيز الأمن البشري ..

تجارب ناجحة: كيف دعم الأمن البشري الأمن الوطني؟
- تجربة سنغافورة: استثمرت سنغافورة في التعليم، الرعاية الصحية، والإسكان، مما عزز التماسك الاجتماعي وقلل من الاضطرابات الداخلية، مما ساهم في استقرارها الأمني.
- برامج الأمم المتحدة: دعمت الأمم المتحدة برامج الأمن الغذائي في دول مثل إثيوبيا، مما قلل من الصراعات المحلية وساهم في استقرار المنطقة.
- المبادرات المحلية: في دول الخليج، أدت برامج تمكين الشباب وتوفير فرص العمل إلى تقليل مخاطر التطرف مما عزز الأمن الوطني.

توصيات لتعزيز الأمن البشري
1. الاستثمار في التعليم والصحة: تخصيص ميزانيات لتحسين التعليم والرعاية الصحية.
2. مواجهة التغيرات المناخية: تطوير استراتيجيات للأمن البيئي، مثل إدارة الموارد المائية وتقليل الانبعاثات.
3. مكافحة التضليل: إطلاق حملات توعية عبر منصات مثل X لتثقيف المواطنين حول المخاطر الأمنية.
4. التعاون الدولي: العمل مع منظمات مثل الأمم المتحدة لدعم برامج الأمن البشري في الدول النامية.
5. تعزيز التماسك الاجتماعي: تشجيع الحوار بين الثقافات ودعم برامج الاجتماعية ..

نحو أمن وطني شامل
الأمن البشري ليس مجرد تكملة للأمن الوطني، بل جوهره. فالدول التي تستثمر في رفاهية مواطنيها، من خلال توفير الأمن الصحي، الغذائي، والبيئي، تبني أسسًا متينة للاستقرار الوطني. في ظل التحديات العالمية المتزايدة، يجب على صانعي السياسات دمج الأمن البشري في استراتيجياتهم الأمنية، مع الاستفادة من التكنولوجيا والتعاون الدولي لضمان مستقبل آمن ومستدام .