هدوء المكان وروحانية الزمان ..

بقلم ـ جبران شراحيلي
٠٠٠٠ ٠٠ ٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠ ٠٠
قبل ما يربو عن ثلاثة عقود كان الكثير من جيلنا يستقي ثقافته عبر ما يسمعه من الراديو أو من بعض المجلات التي يشتريها من البقالات التي بالأسواق البعيدة لأن اغلب القرى ريفية ولا توجد بها سوى دكاكين متواضعة وبعض أصحاب تلك الدكاكين تجد عنده تلفزيون صغير أبيض واسود يعمل على بطارية السيارة وكان أغلب أبناء القرية تجدهم بعد صلاة المغرب يتوافدون على صاحب الدكان ألذي به تلفزيون ..
ذات مساء وبينما كنت استمع لبرنامج بالراديو كان الوقت بعد صلاة العشاء الهدوء يَعُم المكان لا صوت لمكيف ولا شارع به إنارة ولا سيارات تسير يمنة ويسرة بيتنا من الطين يعلوه سقف من الخشب الفانوس معلق بزاوية الباب وضوؤهُ لايكاد يتعدى عتبة البيت
البرنامج إن لم تخونني الذاكرة اسمه ونَّة قلب كان صوت مقدم البرنامج جميل يتناسب مع سكون الليل وهدوءه ..
اختزلت ذاكرتي بيتين أو بيتان من الشعر لا أدري أيهما أصح اعراباً لكن اختزلتهما الذاكرة بهذه الصيغة التي مازالت عالقة وما زالت عالقة إلى الآن ..
عندي خبر جيتك للدار بغيابي
بكيت من فرحتي للدار ومافيها
بكيت طيفك لا مر من بابي
ترقص دارنا طرب من يباريها
ربما تكون في البيتين أو البيتان زيادة في الأحرف أو نقص ولكن هذا ما اختزلته الذاكرة ٠٠
إحساس صادق وشعور لا يوصف عندما يمتزج الهدوء وسكون الليل وروحانية الزمان بكلمات تعانق الوجدان
قليلا ًمن يستشعر ذلك الإحساس خصوصا في زمن انبثقت فيه الثقافة كالسيل الجارف ألذي يدفع أمامه رغوة الغثاء فيقذفها بعيدا لايستفاد منها في أي شيء ٠٠
من أين نستقي ثقافتنا اليوم من النت الذي يوجد بين يدي الأطفال أم من الذكاء الاصطناعي ألذي يقود العالم إلى حياة اشبه ما تكون بالخيال في عالمنا الماضي أو من شاشات التلفزيون العملاقة التي بداخلها ألف قناة وقناة ٠٠
ذاك البيت من الطين تربينا داخله وذاك الفانوس كتبنا على ضوءه واجبتنا المدرسية وذاك الراديو الذي الفناه واستقينا منه ثقافتنا يوما ما لهو عبق ماضينا وروحانية الزمان ولحياتنا ربيعها وشتاءها وصيفها وخريفها ذاك البيت وذاك الفانوس وذاك الراديو اصبحوا اليوم اهم احد المعالم البارزة ألذي يواجهك في كل القرى السياحية والمتاحف الأثرية .