|

الشطرنج ركيزة الشراكات الفاعلة

الكاتب : الحدث 2025-07-21 01:12:32

بقلم د. بجاد بن خلف البديري 


في العشرين من يوليو كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للشطرنج، وهي ليست مجرد لعبة، بل هي ساحة فكرية عميقة تجسد جوهر التخطيط الاستراتيجي، وبعد النظر، وقبل كل شيء، فن التعاون المثمر، حيث تُعد رقعة الشطرنج، بقطعها المتنوعة وتحركاتها المعقدة، نموذجاً مصغراً لكيفية تحقيق أقصى درجات النجاح عندما تتضافر الجهود وتتكامل الأدوار نحو هدف مشترك.

إن الدرس الأهم الذي تُعلّمه لنا لعبة الشطرنج هو أن الانتصار لا يأتي بالعمل الفردي المنعزل، فكل قطعة على الرقعة، من البيدق المتواضع إلى الملكة القوية، تمتلك قدرات فريدة ومحددة، لكن فعاليتها الحقيقية تكمن في قدرتها على التناغم والتنسيق مع بقية القطع. البيدق قد يُضحَّى به لفتح مسار للملكة، وقد يقدم الفارس الدعم للقلعة في موقع دفاعي صعب. هذا التنسيق المحكم، القائم على فهم نقاط القوة والضعف لكل قطعة والقدرة على استغلالها ضمن استراتيجية شاملة، هو ما يميز اللاعب الماهر ويقوده نحو النصر، إنه مثال حي على كيف يمكن للتنوع أن يتحول إلى قوة دافعة، وأن التعاون المدروس يفوق بكثير مجموع الإمكانيات الفردية. هذا المبدأ الاستراتيجي للشطرنج ينعكس بوضوح في عالم الأعمال والتنمية المعاصر، فـ "الشراكات والتحالفات الفاعلة" لم تعد مجرد خيار، بل أصبحت ركيزة أساسية للتقدم، الابتكار، والقدرة على التكيف في بيئة عالمية تتسم بالتعقيد والتغير السريع، مثل قطع الشطرنج التي تعمل بتناغم لا يصدق، فإن المؤسسات والقطاعات التي تبني تحالفات قوية ومدروسة مع شركائها، تستطيع تجاوز التحديات الكبرى التي يصعب مواجهتها بشكل فردي، سواءً كانت هذه التحديات اقتصادية، تكنولوجية، أو حتى اجتماعية، فإن تضافر الموارد والخبرات يفتح آفاقاً جديدة للنمو.

تُسهم هذه الشراكات في خلق قيمة مضافة لا يمكن تحقيقها بمعزل عن الآخرين؛ فتبادل المعرفة، وتشارك المخاطر، والوصول إلى أسواق جديدة، وتسريع وتيرة الابتكار، كلها نتائج مباشرة لتحالفات استراتيجية قوية، إنها تعزز من مرونة الكيانات وتزيد من قدرتها التنافسية، مما يمكنها من تحقيق أهداف كبرى تتجاوز بكثير قدرة أي كيان بمفرده، فلنجعل من هذا اليوم العالمي للشطرنج تذكيراً قوياً بأهمية بناء جسور التعاون والشراكة الحقيقية. لنستلهم من حكمة هذه اللعبة العريقة في صياغة استراتيجيات متينة تجمع بين الرؤية المشتركة، التنسيق الفعال، والهدف الواحد، فالشطرنج لا تعلمك كيف تلعب اللعبة فقط، بل تعلمك كيف تفكر استراتيجياً لبناء مستقبل يسود فيه التعاون والنجاح المشترك.