|

المواقف تكشف معادن البشر

الكاتب : الحدث 2025-08-14 02:55:09

بقلم ــ خليل إبراهيم القريبي

 


تظل المواقف هي المعيار الأصدق لقياس حقيقة الإنسان، فمن السهل على أي شخص أن يتحدث عن الشجاعة والأمانة أو الصبر، لكن التحدي الحقيقي يكمن في ترجمة هذه القيم إلى أفعال عندما تحين لحظة الاختبار، وهنا تتجلى الفكرة العميقة التي أوردها أبو الحسن الماوردي في كتابه أدب الدين والدنيا، الذي قال فيه، قالت الحكماء: "اعرف الناس من فعلهم لا من كلامهم، يا صاحبي: المواقف غربال الناس، ما أسهل الحديث عن الشجاعة بعيداً عن ميدان المعركة، وما أسهل الحديث عن الصبر حين لا تكون المصيبة مصيبتك، وما أسهل الحديث عن العفة ما دمت لم تختبر، وما أسهل الحديث عن الأمانة ما دمت لم تؤتمن، خذ الحقيقة من أفواه المواقف، أما في الكلام فالجميع فلاسفة". انتهى

المواقف الحقيقية تعمل كـ"غربال" ينخل الناس، فيُبقي على أصحاب المبادئ الصلبة ويُسقط من كانت شعاراته مجرد كلمات منمقة، فالقيم الأخلاقية مثل العفة والأمانة لا تُثبت في مجالس الوعظ، وإنما في خضم التجارب القاسية، ومن لم يؤتمن على ما هو ثمين، لم يُثبت أمانته مها تحدث عنها.

الحقيقة أن المواقف هي الامتحان العملي الذي لا يقبل التزييف، إذ يمكن للكلمات أن تخدع، وللصور أن تلمِّع، وللمظاهر أن توهم، لكن حين يطرق الاختبار باب الواقع، يتساقط الزيف كالغبار، ويبقى الجوهر الصادق وحده. ولذلك على الأفراد والمؤسسات على حد سواء، أن يدركوا أن بناء السمعة والقيمة الحقيقية لا يتم عبر الأقوال والخطابات فقط، بل من خلال قرارات حاسمة وممارسات ثابتة تعكس القيم المعلنة، لأن المصداقية لا تُمنح، بل تُكتسب عبر الزمن بتكرار المواقف التي تثبت الانسجام بين القول والفعل.

العالم اليوم لا يحتاج مزيداً من الفلاسفة في الكلام، بل يحتاج لمزيد من النماذج الحية التي تثبت أن المبادئ قابلة للتطبيق حتى في أصعب الظروف. وفي النهاية، المواقف ليست مجرد أحداث عابرة، بل هي مرايا تعكس المعادن الحقيقية للبشر، وتحدد من يستحق الثقة والاحترام.