|

أيهما أحقّ بالبر أمّي أم أبي ؟

الكاتب : الحدث 2025-08-15 09:06:04

علي بن أحمد الزبيدي 
----------------------------------
حضرت اليوم خطبة الجمعة وبدأ الخطيب خطبته بالحديث عن وجوب بر الوالدين حتى وصل إلى قوله ( جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: مَن أَحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أَبُوكَ) وعندها جال بخاطري سؤال زاد اهتمامي بهذا السؤال حديث الخطيب واهتمامه ببر الأمّ وتخصيصه جلّ الخطبة عن أهمية برّ الأمّ وذكره لبر الأبّ في آخر الخطبة، وكأبٍ متعلم لطالما آمنت أن منزلة الوالدين متساوية، فكلاهما شريك في مسؤولية التربية والعطاء، لكن تكرار ذكر الأم ثلاث مرات في الحديث وحرص الخطيب على التأكيد على برّ الأم وذكر الأبّ في نافلة القول جعل الدهشة تتسرب إلى قلبي وجعلني ذلك أقف طويلاً عند هذا الحديث متسائلاً هل للأمّ منزلة تفوق منزلة الأب حقًا؟ 

هذا التساؤل دفعني إلى رحلة بحث عميقة وسريعة في كتاب الله وسنة رسوله وفي أقوال أهل العلم مستعيناً بالمواقع المتاحة في الإنترنت واليوتيوب ؛ لأكتشف أنّ الأمر أعمق مما يبدو.

إن تقدير الإسلام للأم ليس تقليلاً من شأن الأب، بل هو اعتراف بتضحيتها الفريدة التي لا يشاركها فيها أحد، فالأم تحمل وتلد وترضع وتتحمل آلامًا جسدية ونفسية عظيمة، وأن حقّ الأم في ذلك مقدم على حقّ الأب لشدة معاناتها، وأنّ أفضال الأب ظاهرة على الابن والابنة بينما بعض أفضال الأم لا ترى لأنّها كانت في مراحل التكوين الأولى، ولكن هذا لا يعني أبداً أن منزلة الأب في بر القلب والعاطفة والاهتمام أقلّ، فكلا الوالدين لهما منزلة عظيمة، وكلاهما باب من أبواب الجنة، فالأب هو عماد الأسرة، وهو الذي يكافح ويكدح لتوفير لقمة العيش، وهو مصدر الأمان والحماية، وهو الذي يحمي ويرعى وينفق، والأم هي التي تربي وتسهر وتدبر .

لقد عانى الكثير من الآباء في زماننا من ميل الأبناء للأم، وإهمالهم للأب، ظنًا منهم أن بر الأم وحده يكفي، وقد غفلوا عن أن بر الوالدين كليهما طاعة لله ورسوله، وأن الله تعالى قرن طاعتهما كليهما بالتوحيد في كتابه الكريم: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]، ومن خلال رحلتي للبحث عن إجابة لتساؤلي، لم أجد في القرآن آية تفرق بين الوالدين في الحقوق والبر، بل إنّ الآيات دائمًا ما تجمع بينهما، ولكنّها تفصل في فضل الأم كالحمل والولادة والرضاعة .

ولعلنا نتذكر قصة الصحابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال له: "أحي والداك؟" قال: نعم. قال: "ففيهما فجاهد"، هذا الحديث أيضاً لا يفرق بين الأم والأب في الحق، بل يجعل برهما جهادًا عظيمًا. وهو ما يؤكده الفقهاء الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد)، الذين اتفقوا على أن بر الوالدين واجب عظيم، وأن عقوقهما من كبائر الذنوب.

ولكن للأسف الشديد، أصبح الكثير من الأبناء في مجتمعاتنا يميل إلى برً الأم فقط، ويهجرون الأب، ويظنون أن عطف الأم وحنانها يغني عن بر الأب، وهذا تفكير خاطئ، فالأب وإن لم يكن يعبر عن عاطفته بكلمات رقيقة، فإن أفعاله هي خير دليل على حبه وتضحيته.

إن الأب الذي يعمل بجد، والذي يسهر الليالي من أجل توفير احتياجات أبنائه، والذي يحرص على تعليمهم وتربيتهم، هو الأب الذي يستحق كل احترام وتقدير.

إن هجر الأب قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على الأبناء وعلى المجتمع بأسره، فعلم النفس يؤكد أن وجود الأب في حياة الأبناء ضروري لتكوين شخصيتهم، وإحساسهم بالأمان والثقة بالنفس،فغياب الأب المعنوي يترك فراغًا كبيرًا في حياة الأبناء، مما قد يؤدي إلى مشاكل نفسية وسلوكية.

همسة الختام 
أيها الأبناء والبنات، لا تظنوا أن بر أحد الوالدين يغني عن بر الآخر، فكلاهما نعمة من الله تستحق الشكر والبر، وتذكروا أن بر الوالدين طريق إلى الجنة، وأن رضا الله من رضا الوالدين فلا تفضلوا أحدهما على الآخر،فالأم هي المدرسة الأولى، والأب هو السقف الذي يحمي، وهما معًا شجرة مثمرة لا تكتمل ثمارها إلا بوجودهما معًا ،  وأنتم ثٍمارُها .