زواج الكفيفة.. أمل بلا حدود

بقلم: عبدالله الكرشم عسيري
الزواج ليس مجرد عقد اجتماعي، بل ميثاق يربط القلوب على المودة والرحمة. وعندما يكون أحد طرفي الزواج كفيفًا، تبدأ التساؤلات من حوله، وكأن فقدان البصر يسقط حقه في الحب أو يحرمه من بناء بيت وأسرة. لكن الحقيقة أعمق وأجمل من هذه الصورة السطحية، وهو ما جعلني أكتب هذه المقالة لتسليط الضوء على موضوع حساس ومهم في مجتمعنا، ولأشارك القراء رؤية إنسانية توعوية عن قدرات الكفيفات وحقوقهن المشروعة.
في كثير من المجتمعات، تواجه الفتاة الكفيفة عزوفًا من بعض الشباب عن الزواج، ليس لعيب فيها، وإنما لأنها لا ترى. وكأن فقدان النظر يعني فقدان القدرة على العطاء أو السعادة. والأسوأ أن البعض –وليس الكل– إذا قرر الزواج، يشترط عليها التنازل عن أبسط حقوقها التي كفلها الشرع والنظام، متناسياً أن الزواج شراكة متكاملة وليس عبئًا أو منّة.
الكفيفة ليست عبئًا، بل هي نور خفي يضيء حياة شريكها. تمتلك من الصبر ما يجعلها مثالًا للتفاني، ومن العاطفة ما يجعلها أمًّا حنونة، ومن الحكمة ما يجعلها رفيقة حياة حقيقية. إن فقدت عينًا، فإنها تمنح بيتها قلبًا أوسع ورؤية أعمق. الإسلام والأنظمة الحديثة كرّمتها وكفلت لها حقوقها في الزواج والحياة الكريمة، فلا يحق لأحد أن يساومها أو يفرض عليها شروطًا مجحفة. فالزواج بها حق إنساني وشرعي أصيل، لا فضلًا من أحد، ولا تقلل منه أي معايير سطحية.
تخيل فتاة كفيفة، جالسة بهدوء تستمع لصديقاتها وهنّ يحلمن بمستقبل مشرق، بينما يطرق قلبها سؤال موجع: “هل سأجد من يقبل بي شريكة؟ وإن وجدت، هل سأُعامل بعدل أم سأُطلب للتنازل؟” هذه الصورة تكشف عمق الجرح الإنساني الذي يفرضه المجتمع أحيانًا، وتدعونا جميعًا لإعادة النظر في نظرة الكفيفة وزواجها.
أَشَدّد على أن التغيير يبدأ من داخل الأسرة، حيث يجب على العائلات أن تمنح بناتها الثقة بأنهن كاملات وقادرات على تكوين أسر ناجحة. وأخاطب الشباب بأن السعادة الزوجية لا تُقاس بالبصر، بل بالمودة والرحمة، وأن الشريك المناسب يُختار بالقلب قبل العيون.
كما أود لفت الانتباه إلى خوف بعض الأسر من تزويج أبنائهم من كفيفة، ووضع بعض الآباء شروطًا صارمة مثل أن يكون بيت الزوجية بجوار منزل الأسرة، أو رفض الزواج تمامًا إلا وفق شروطهم. هذه القيود تزيد من صعوبة الحياة على الكفيفة، وتحد من خياراتها الطبيعية. ومن هنا تأتي أهمية الوعي المجتمعي، وفهم أن الزواج حق طبيعي للكفيفة مثل أي فتاة أخرى، وأن أي شروط مجحفة أو قيود مصطنعة لا تخدم إلا تعزيز الصور النمطية والخوف غير المبرر.
الإعلام أيضًا عليه دور مهم في تسليط الضوء على قصص النجاح لزيجات الكفيفات، فهي حقيقية وملهمة، وتكسر الحواجز الاجتماعية وتفتح آفاق وعي جديدة. حين نتجاوز الصور النمطية وننظر إلى جوهر الإنسان لا إلى حواسه، ندرك أن الحب أوسع من أن يُختزل في النظر.
الكفيفة ليست أقل من غيرها، بل قد تكون أكثر عطاءً ووفاءً. وزواجها حق طبيعي، والحب الحقيقي هو الذي يُبصر بالقلوب، لا بالعيون. ومن هذا المنطلق، أكتب هذه المقالة لأوصل رسالة أمل لكل بيت، بأن الحياة تتسع للجميع، وأن الحب والوفاء لا يعرفان حدودًا.