الانتهازية المتطرفة ..

بقلم : البروفيسور تركي بن عبدالمحسن بن عبيد
_____________________
الانتهازية لدى المتطرفين كيف تشكل سلاحًا استراتيجيًا ودورها في استغلال الفراغ الإعلامي؟
يهدف هذا المقال العلمي إلى تحليل طبيعة الانتهازية لدى المتطرفين، كيفية تشكلها كسلاح استراتيجي ودورها في استغلال الفراغ الإعلامي مع الاستناد إلى أسس نظرية وأدلة واقعية
في عالم يتسم بالتدفق السريع للمعلومات، أصبحت الانتهازية أداة محورية يستخدمها المتطرفون لتعزيز نفوذهم واستقطاب الجماهير. الانتهازية، بمعناها العام، هي استغلال الفرص أو الأحداث بطريقة انتهازية لتحقيق أهداف سياسية أو أيديولوجية، غالبًا دون الالتزام بمبادئ أخلاقية. في سياق التطرف، تُستخدم هذه الاستراتيجية لتضخيم الانقسامات الاجتماعية والسياسية، خاصة في ظل الفراغ الإعلامي الذي ينشأ من تراجع الثقة في المؤسسات الإعلامية التقليدية. .
1. لماذا الانتهازية لدى المتطرفين
الانتهازية لدى المتطرفين تُعرف على أنها استغلال الأحداث أو الأزمات الحالية بشكل متعمد لتعزيز الأجندات الأيديولوجية أو السياسية. تتميز هذه الاستراتيجية بالمرونة والتكيف مع السياقات الاجتماعية والسياسية المتغيرة. على سبيل المثال، يمكن للمتطرفين استغلال كارثة طبيعية، أزمة اقتصادية، أو حادثة عنيفة لنشر روايات تُلقي باللوم على مجموعات معينة أو تُروج لنظريات المؤامرة. هذه الروايات غالبًا ما تُصمم لإثارة العواطف مثل الخوف، الغضب، أو الشعور بالتهميش، مما يعزز من استقطاب الجماهير.
من الناحية النظرية، يمكن فهم الانتهازية في سياق التطرف من خلال نظرية "إطار العمل" (Framing Theory)، التي تُركز على كيفية تقديم المعلومات لتشكيل التصورات العامة. المتطرفون يستخدمون الانتهازية لإعادة صياغة الأحداث بطريقة تخدم أهدافهم، مثل تصوير مجموعة معينة كتهديد وجودي أو تقديم أنفسهم كحل لمشكلة اجتماعية. هذا الإطار يعتمد على استغلال التحيزات المعرفية للأفراد، مثل التحيز التأكيدي (Confirmation Bias)، حيث يميل الناس إلى قبول المعلومات التي تتماشى مع معتقداتهم المسبقة.
2. آليات تشكل الانتهازية كسلاح استراتيجي
الانتهازية لدى المتطرفين ليست مجرد استغلال عشوائي للأحداث، بل تُشكل سلاحًا استراتيجيًا من خلال عدة آليات:
- التوقيت الاستراتيجي: المتطرفون يختارون لحظات الأزمات أو عدم الاستقرار لنشر خطابهم، حيث يكون الجمهور أكثر عرضة للتأثر. على سبيل المثال، خلال الأزمات الاقتصادية، يمكن أن يُروجوا لروايات تُلقي باللوم على المهاجرين أو الأقليات، مستغلين الإحباط العام.
- التلاعب بالعواطف: يعتمد المتطرفون على إثارة العواطف القوية لتعبئة الجماهير. وفقًا لدراسات علم النفس الاجتماعي، العواطف مثل الخوف والغضب تقلل من التفكير النقدي، مما يجعل الأفراد أكثر تقبلًا للروايات المتطرفة.
- استخدام التكنولوجيا: منصات التواصل الاجتماعي، مثل X، تُتيح للمتطرفين نشر المعلومات بسرعة واستهداف جمهور محدد. تقنيات مثل الإعلانات الموجهة أو "التزييف العميق" (deepfakes) تُعزز من قدرتهم على التلاعب بالمعلومات.
- تضخيم الانقسامات: الانتهازية تُستخدم لتعميق الفجوات بين المجموعات الاجتماعية، مثل الصراعات بين اليمين واليسار أو بين الأغلبية والأقليات. هذا يخلق بيئة مواتية لنمو التطرف.
- ملء الفراغ بالروايات البديلة: المتطرفون يقدمون أنفسهم كمصادر "حقيقية" للمعلومات، مستغلين شعور الجمهور بالإحباط من الإعلام التقليدي. على سبيل المثال، يمكن أن ينشروا نظريات مؤامرة تُلقي باللوم على الحكومات أو النخب، مما يجذب أفرادًا يشعرون بالتهميش.
- استخدام منصات التواصل الاجتماعي: الفراغ الإعلامي يتضخم في الفضاء الرقمي، حيث تتيح منصات مثل X نشر المعلومات دون رقابة صارمة. دراسة أجرتها جامعة أكسفورد (2022) وجدت أن المعلومات المغلوطة تنتشر ست مرات أسرع من المعلومات الصحيحة على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يعزز من فعالية الانتهازية.
4. الآثار العلمية والاجتماعية
استغلال الفراغ الإعلامي من خلال الانتهازية له آثار بعيدة المدى:
- تعميق الاستقطاب: يؤدي إلى زيادة الانقسامات الاجتماعية والسياسية، مما يهدد التماسك الاجتماعي.
5. استراتيجيات المواجهة
لمواجهة هذه الظاهرة، يُوصى باتباع نهج متعدد الأوجه:
- التثقيف الإعلامي: تعزيز قدرات الأفراد على التحقق من المعلومات وتقييم مصداقيتها.
- تنظيم المنصات الرقمية: وضع سياسات للحد من انتشار المعلومات المغلوطة دون المساس بحرية التعبير.
- التدخل المجتمعي: دعم المبادرات المحلية التي تُعزز الحوار بين المجتمعات المختلفة للحد من الاستقطاب.
الانتهازية لدى المتطرفين تُشكل سلاحًا استراتيجيًا فعالًا يعتمد على التوقيت المناسب و التلاعب بالعواطف واستغلال التكنولوجيا الحديثة.
الفراغ الإعلامي يُعتبر بيئة خصبة لهذه الاستراتيجية حيث يسمح للمتطرفين بملء الفجوة بروايات مضللة تُعزز الاستقطاب وتُهدد التماسك الاجتماعي.
لمواجهة هذا التحدي، يتطلب الأمر جهودًا مشتركة بين الأفراد، الحكومات، وشركات التكنولوجيا لتعزيز التثقيف الإعلامي والحد من انتشار المعلومات المغلوطة. فقط من خلال هذه الجهود يمكن الحد من تأثير الانتهازية المتطرفة وبناء مجتمعات أكثر تماسكًا.