مستقبل الخصخصة: من بيع الأصول إلى شراكة استراتيجية

بقلم د. بجاد بن خلف البديري
تُعد الخصخصة على مر العقود الماضية أداة رئيسية في أدوات الإصلاح الاقتصادي حول العالم، فبعد أن كانت تُنظر إليها كعملية بسيطة لبيع الأصول المملوكة للدولة، تطور مفهومها لتصبح جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيات النمو الشاملة، مع التركيز على الكفاءة والابتكار. إن استشراف مستقبل الخصخصة يتطلب فهمًا عميقًا للتحولات الكبرى التي ستُغير من شكلها وأهدافها، لترتكز على التكنولوجيا، والاستدامة، والشراكة بين القطاعين العام والخاص، مما يجعلها أكثر شمولية وفعالية في تحقيق الأهداف الوطنية.
سيكون مستقبل الخصخصة مرتبطًا بشكل وثيق بالثورة الصناعية الرابعة، فالتقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والبيانات الضخمة، لن تكون مجرد أدوات لتحسين الكفاءة، بل ستُشكل محور نماذج الأعمال الجديدة للكيانات المخصخصة. على سبيل المثال، خصخصة قطاع النقل لن تقتصر على بيع شركة قطارات، بل ستشمل تطوير أنظمة ذكية لإدارة الحركة والتشغيل، وهذا التحول الرقمي سيتيح للشركات تقديم خدمات أكثر تخصيصًا وفاعلية، مثل خدمات التوصيل عند الطلب، واستخدام البيانات لتحسين المسارات، مما يعود بالنفع على المستهلك النهائي.
كما أن النموذج التقليدي للخصخصة الذي كان يركز على نقل الملكية الكاملة بدأ يتراجع، ليتجه المستقبل نحو نموذج الشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPPs)، حيث يحتفظ القطاع العام بدور إشرافي وتنظيمي لضمان جودة الخدمات وتحقيق الأهداف الاجتماعية. هذا النموذج يجمع بين كفاءة القطاع الخاص وقدرة القطاع العام على تحقيق العدالة الاجتماعية، حيث مستقبل الخصخصة لن يُقاس فقط بالأرباح المحققة، بل بمدى مساهمة الشركات المخصخصة في التنمية المستدامة، وخلق فرص عمل، وضمان وصول الخدمات الأساسية للجميع.
ومع تزايد الوعي العالمي بأهمية الاستدامة البيئية، ستصبح الخصخصة أداة لتحقيق التحول الأخضر، حيث خصخصة قطاعات الطاقة والمياه ستُشترط بتبني حلول الطاقة المتجددة وتقليل البصمة الكربونية، هذا التوجه سيشجع القطاع الخاص على الاستثمار في التقنيات النظيفة، مما يسرع من وتيرة الانتقال نحو اقتصاد أكثر استدامة. كما أن مستقبل الخصخصة مرهون بوجود إطار حوكمة قوي وشفاف يمنع الممارسات الاحتكارية، ويضمن المنافسة العادلة، ويحمي حقوق المستهلكين.
في الختام، إن مستقبل الخصخصة ليس مجرد تكرار للماضي، بل هو تحول نحو نهج أكثر ذكاءًا وتوازنًا، إنها رحلة من بيع الأصول إلى بناء شراكات استراتيجية، ومن تحقيق الربح فقط إلى تحقيق قيمة مضافة للمجتمع بأكمله من خلال الابتكار والمسؤولية والتعاون.