الصحافة المطبوعة.. ولادة جديدة

بقلم ــ خليل إبراهيم القريبي
الإعلان الرقمي الذي نشره المنتدى السعودي للإعلام، وتداوله الكثير، كان إشارة عميقة أسعدت جيل الصحافة الورقية والإعلام التقليدي، جيلٌ عاش في قاعات التحرير وتنفس رائحة الأحبار، وعاصر في الوقت نفسه التحولات الرقمية بكل أدواتها وحضورها الفاعل، إنه إعلان يوقظ فينا ذاكرة المهنة، ويجعلنا نتأمل السؤال الكبير المطروح: هل تُكتب للصحافة المطبوعة ولادة جديدة؟ سؤال يتجاوز حدود الحنين إلى الماضي، ليضعنا أمام استحقاق مستقبلي عنوانه: كيف نوازن بين أصالة الورق وضجيج الشاشات، وبين رمز المصداقية وسرعة التقنية؟
رغم سيطرة الإعلام الرقمي، أتفق مع إشارة الإعلان إلى أن التشبع المفرط بالمحتوى الإلكتروني دفع شريحة واسعة من الجمهور للبحث عن بدائل أكثر هدوءًا وملموسية، فالصحافة المطبوعة تمنح القارئ تجربة حسية فريدة يصعب للشاشات أن تحاكيها، وتعيد للخبر والتحليل قيمة مختلفة، وحتى جيل الشباب الباحث عن "الأسلوب القديم" يجد فيها تجربة أصيلة تجمع بين المصداقية والجدية.
اليوم، قد تستعيد الصحافة المطبوعة حضورها لدى الشريحة العظمى من المجتمع، خاصةً قادة الرأي وصنَّاع القرار وجمهور النخبة الثقافية، ممن ينظرون إليها كمنصة رصينة أعمق أثرًا من التصفح السريع عبر الهواتف الذكية، هذا الجمهور النوعي يمثل قوة حقيقية لإبقاء الصحافة المطبوعة في دائرة التأثير، وإعادة وهجها المضيء الذي كان.
قوة الصحافة المطبوعة تكمن أيضًا في قدرتها على التكيف مع البيئة الإعلامية الجديدة، القائمة على الجمع بين الرقمي والمطبوع، فالصحف تستطيع توظيف النسخة الورقية كمنتج تسويقي فاخر، مع التركيز على إنتاج محتوى متخصص عالي القيمة يستهدف شريحة محددة من الجمهور.
لغة الأرقام تؤكد أن السوق ما زال واعدًا، إذ بحسب مضمون الإعلان المذكور بعاليه، يبلغ حجم سوق المطبوعات عالميًا 348 مليار ريال في 2024، مع توقع وصوله إلى 359 مليار ريال في 2025، ليقفز إلى 389 مليار ريال بحلول 2029، هذه الأرقام توضح أن الاستثمار في الصحافة المطبوعة لا يزال مجديًا إذا أُعيد تعريفه بطريقة استراتيجية.
الخلاصة أن الصحافة المطبوعة ليست في طريقها إلى الزوال كما يُشاع، ورغم التقهقر الذي عشناه، بل تقف على أعتاب ولادة جديدة، إذا ما أحسن استثمار قيمتها التاريخية ورمزيتها، وربطها بفرص الحاضر والمستقبل، وبينما يغمر العالم ضجيج رقمي لا يتوقف، يبقى الورق مساحة هادئة للتأمل والتفكير، وصوتًا لا يفقد مكانته مهما تغيرت الوسائل.