|

مشاهير الفلس وصناعة الوهم

الكاتب : الحدث 2025-09-06 10:41:47

بقلم ـ علي بن أحمد الزبيدي

في زمنٍ تحوّل فيه الهاتف الذكي إلى نافذةٍ يومية نطلُّ منها على العالم، تحولّت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحات صاخبة يملؤها ضجيج “الترندات” وسباق المحتوى السريع، وفي خضم هذا الزحام، برزت ظاهرةٌ خطيرةٌ تعرف بـ”مشاهير الفلس”؛ أولئك الذين يحققون ملايين المشاهدات والمتابعين بلا قيمة حقيقية، ويقدمون محتوى سطحيًا قائمًا على المقالب المفتعلة، الاستعراض المبالغ فيه، والإثارة الرخيصة واستخدام الأهل والأبناء والزوجات للحصول على المشاهدات .

هذه الظاهرة لم تعد مجرد وسيلة للتسلية أو الترفيه كما يظن البعض، بل تحولّت إلى خطر ثقافي واجتماعي يهدد وعي المجتمع، ويعيد تشكيل قيمه وذائقته، ففي تقارير إعلامية ودراسات اجتماعية، يحذر الخبراء من أن المحتوى الذي يقدمه بعض هؤلاء المشاهير يرسخ قيم الاستهلاك السطحي، ويضعف الحس النقدي لدى الجمهور، خصوصًا المراهقين الذين يجدون في هؤلاء قدوات مزيفة، ومن المقلق أن بعض الشباب أصبح يقيس النجاح بعدد المتابعين والمشاهدات لا بمقدار المعرفة أو الإبداع، حتى لو كان الثمن هو المساس بالقيم الأخلاقية أو خدش الحياء العام.

كما أنّ لهذا المحتوى آثارًا نفسية خطيرة؛ حيث أظهرت دراسات أن مقارنة حياة المتابع بحياة هؤلاء المشاهير قد تولد مشاعر النقص والاكتئاب، وتدفعه لتقليد أنماط استهلاكية غير صحية، إضافة إلى ذلك، يستغل بعضهم شهرتهم للترويج التجاري المضلل، وبيع منتجات غير موثوقة أو مبالغ في أسعارها، دون أي التزام بمعايير الشفافية. والأسوأ أن بعض المؤثرين يعكسون صورة لا تمثل هوية المجتمع أو قيمه عند الظهور في المحافل الدولية، مما يضرُّ بالصورة الذهنية لبلداننا.

ولمواجهة هذه الظاهرة، يجب على وزارة الإعلام وهيئة الإعلام المرئي والمسموع أن تتدخل بشكل أكثر فاعلية لوضع ضوابط ومعايير واضحة للمحتوى، تضمن أن يتحمل صُنّاع المحتوى مسؤولية اجتماعية وأخلاقية فلم تعد الرخصة المهنية ذات جدوى لتنظيم ظهور المؤثرين، يل يجب إلزامهم باتباع سلوكيات لا تخالف المجتمع وأخلاقياته، كما يمكن للوزارة أن تطلق حملات توعية وطنية بالشراكة مع وزارة التعليم لتعريف الطلاب بكيفية التعامل مع المحتوى الرقمي، وتعليمهم مهارات التحقق من المصداقية والتفكير النقدي.

ولعلّ من الحلول أيضًا تسليط الضوء إعلاميًا على النماذج المبدعة والقدوات الإيجابية في المجتمع، وتشجيع المحتوى الثقافي والعلمي والترفيهي الراقي، حتى يتمكن الشباب من العثور على بدائل مفيدة تلهمهم بدلًا من أن تضيع أوقاتهم في متابعة التفاهة، وينبغي التعاون مع الجامعات والهيئات الثقافية لتقديم ورش عمل ودورات تدريبية لصُنّاع المحتوى الشباب حول أخلاقيات الإعلام وصناعة التأثير المسؤول، مما يسهم في الارتقاء بمستوى ما يقدم على هذه المنصات.

ويبقى دور المتابع حاسمًا في هذا المشهد؛ فهو من يمنح الشهرة ويصنع الترند بقراره التفاعل أو تجاهل المحتوى. وبإمكان كل فرد أن يسهم في تقليص مساحة هذا الغثاء الرقمي بعدم الإعجاب والمشاركة لمحتوى لا قيمة له، وتوجيه دعمه وتشجيعه نحو صناع المحتوى المبدعين الذين يقدمون إضافة حقيقية للمجتمع.

همسة الختام .. 
 مشاهير الفلس ليسوا سوى انعكاس لذائقة الجمهور، وإذا أردنا تغيير المشهد الرقمي فلا بد أن نعيد ترتيب أولوياتنا ونطالب بمحتوى هادف يثري العقول ويعزز القيم، وقد آن الأوان لأن تتحول وسائل التواصل الاجتماعي من ساحة للجدل والسطحية إلى منصة لبناء مجتمع واعٍ، يحترم عقله ووقته وهويته.