|

المملكة العربية السعودية نموذج للعدالة والإصلاح القانوني في اليوم العالمي للقانون

الكاتب : الحدث 2025-09-13 12:15:11

بقلم د. محمد بن سليمان الأنصاري
أستاذ القانون الدولي - جامعة جدة 

 

يصادف يوم 13 سبتمبر من كل عام اليوم العالمي للقانون، وهو مناسبة دولية أُطلقت لأول مرة عام 1965 لتعزيز سيادة القانون كركيزة أساسية لتحقيق العدل والمساواة وحماية الحقوق وتنظيم العلاقات بين الأفراد والدول. ويهدف هذا اليوم إلى تذكير المجتمعات بأن القانون ليس مجرد نصوص مكتوبة، بل نظام شامل ينظم حياة الناس ويضمن حقوقهم وواجباتهم، ويسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة على المستويين المحلي والدولي. كما يمثل فرصة لنشر الثقافة القانونية بين أفراد المجتمع، ورفع مستوى الوعي بالحقوق والحريات، وتشجيع تطوير الأنظمة القانونية لتواكب التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية الحديثة.

وفي المملكة العربية السعودية، شهدت السنوات الأخيرة تحولًا نوعيًا في المنظومة القانونية والتشريعية، بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030. فقد أُقرت مجموعة من الأنظمة الجديدة التي شكلت نقلة نوعية في تنظيم الحياة القانونية، من أبرزها نظام الأحوال الشخصية الذي نظم مسائل الزواج والطلاق والحضانة والنفقة بوضوح وعدالة، ونظام الإثبات الذي وحد إجراءات المحاكم وسهّل على المتقاضين معرفة الأدلة المقبولة، ونظام المعاملات المدنية الذي وضع إطارًا شاملًا للعقود والمعاملات المالية والتجارية، إضافة إلى العمل على نظام العقوبات التعزيرية الذي يهدف إلى توحيد العقوبات وضمان العدالة في تنفيذها.

كما عززت المملكة من شفافية القضاء وعدالته، وقللت من التقديرات الفردية في الأحكام، مما مكن المتقاضين من التنبؤ بنتائج القضايا بشكل واضح. وقد شهد التحول الرقمي للقضاء طفرة كبيرة من خلال منصات مثل “ناجز”. هذه المنصات تتيح رفع الدعاوى إلكترونيًا وحضور الجلسات عن بعد، مما سهل وصول الأفراد إلى العدالة وخفّض زمن التقاضي. كما ساهم هذا التحول في رفع الكفاءة التشغيلية للمحاكم بشكل ملحوظ.

ومن الأمثلة العملية على نجاح هذه الإصلاحات القضائية، تمكنت إحدى المحاكم من الفصل في قضية معقدة بين أطراف متعددة خلال أيام قليلة بفضل المنصات الرقمية، بينما كان من المتوقع أن تستغرق أشهرًا قبل تطبيق هذه الأنظمة الحديثة.

وشملت الإصلاحات تعزيز حقوق المرأة وتمكينها في مجالات متعددة مثل العمل والسفر والحضانة، وضمان حقوقها في الزواج والطلاق والنفقة بما يتوافق مع القيم الإسلامية والمعايير العدلية الحديثة. كما تم تحديث العديد من القوانين التي تعنى بحقوق الطفل وذوي الهمم، تماشيًا مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

وعلى صعيد الحوكمة، ركزت المملكة على مكافحة الفساد من خلال إنشاء هيئة الرقابة ومكافحة الفساد “نزاهة” لضمان الشفافية والنزاهة في المؤسسات الحكومية والخاصة، بما يعزز ثقة المجتمع والمستثمرين في النظام القانوني السعودي.

ويعود الفضل في هذه النهضة القانونية إلى جهود القيادة الرشيدة التي حرصت على ترسيخ مبدأ سيادة القانون بحيث يخضع الجميع لأحكام النظام دون استثناء، وتحسين بيئة الاستثمار من خلال قوانين واضحة تحمي حقوق المستثمرين وتسهل تسوية النزاعات، ودعم إنشاء المحاكم المتخصصة لرفع جودة الأحكام وتسريع الإجراءات، إلى جانب تبني التحول الرقمي الذي عزز كفاءة العمل القضائي وخفض التكاليف والوقت.

وعلى المستوى الدولي، تُشارك المملكة بفاعلية في الاتفاقيات والتعاون القانوني مع مختلف الدول والمنظمات، ما يعكس التزامها بمعايير العدالة الدولية ويعزز مكانتها القانونية العالمية. كما ساهمت هذه الإصلاحات في جذب الاستثمارات الأجنبية، ورفع الثقة بالنظام القضائي السعودي، وإظهار المملكة كمثال يحتذى به في تحديث القوانين بما يتوافق مع التطورات العالمية. 

أخيرًا، في اليوم العالمي للقانون، نحتفي بدور القانون كركيزة أساسية لتحقيق السلم والعدل في المجتمعات. وتأتي المملكة العربية السعودية كدولة رائدة في هذا المجال، حيث تقدم نموذجًا يحتذى به في تبني العدالة وتطبيق القانون وفق أفضل الممارسات العالمية مع الحفاظ على القيم والمبادئ الإسلامية. إن التزام المملكة، تحت قيادة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظهما الله –، بتطوير النظام القانوني وتعزيز مكانته على الساحة الدولية يؤكد رؤيتها الإستراتيجية نحو بناء مجتمع يسوده العدل والمساواة؛ وبهذه المناسبة، يتجدد العهد بمواصلة المملكة لمسيرتها القانونية الرائدة، لتظل منارة للعدالة وداعمة للاستقرار على المستويين المحلي والدولي، ولتعزيز مكانتها كدولة قانونية رائدة في القرن الحادي والعشرين.