الخصخصة: إدارة المخاطر الاستراتيجية

بقلم د. بجاد بن خلف البديري
تُعد الخصخصة أداة تحول استراتيجي لتعزيز الكفاءة والابتكار، لكنها ليست رحلة خالية من التحديات. فإدارة هذه العملية بنجاح تتطلب وعيًا عميقًا بالمخاطر المحتملة، وامتلاك استراتيجيات مبتكرة للتعامل معها، وإهمال هذه الجوانب قد يُحول عملية واعدة إلى عبء مالي أو اجتماعي، مما يؤكد أن جوهر الخصخصة لا يكمن في القرار بحد ذاته، بل في كيفية تنفيذه.
من أبرز التحديات التي تواجه برامج الخصخصة هو تراجع جودة الخدمات، فقد يسعى القطاع الخاص لتعظيم الأرباح على حساب الجودة، مما يؤثر على المستفيدين النهائيين، وعلاوة على ذلك، تُشكل المخاطر المالية والتشغيلية عبئًا كبيرًا ، حيث يمكن أن تؤدي التغيرات الاقتصادية غير المتوقعة إلى تعثر المشاريع، وتبرز أيضًا المخاطر الاجتماعية والوظيفية، المتمثلة في مقاومة الموظفين الحكوميين للتغيير، وشعورهم بعدم الأمان الوظيفي.
تتطلب معالجة هذه التحديات تبني منهجية استباقية ومرنة، تبدأ بوضع أطر حوكمة صارمة، أولى هذه الاستراتيجيات هي نموذج الشراكة "المدفوع بالأداء" (PPA)، الذي يربط الدفع للقطاع الخاص بتحقيق مؤشرات أداء محددة، مثل تحسن مستويات الطلاب في التعليم أو رضا المستفيدين في الخدمات، وهذا يحفز القطاع الخاص على الاستثمار في تحسين الجودة بدلاً من مجرد تقليص التكاليف.
كما تُعد برامج "التأهيل الاستباقي" للموظفين ضرورة قصوى للتخفيف من المخاطر الاجتماعية، حيث يجب أن تُقدم هذه البرامج قبل بدء عملية الخصخصة، لتدريب الموظفين على المهارات الجديدة المطلوبة في بيئة عمل مختلفة، مع ضمان حقوقهم وتوضيح مساراتهم المهنية المستقبلية، وهذا النهج لا يُقلل من المقاومة فحسب، بل يُحوّل الموظفين إلى شركاء فاعلين في عملية التحول.
أيضًا يمكن اعتماد آلية "التحقق المزدوج للأثر"، التي تجمع بين الرقابة الرسمية والتقييم المجتمعي عبر استطلاعات رأي مستقلة، هذه الآلية تضمن أن الأهداف الاجتماعية للمشروع لا تُفقد في خضم الأهداف المالية، وتوفر تغذية راجعة مستمرة تساعد في تعديل المسار عند الحاجة.
في الختام، إن إدارة المخاطر في الخصخصة هي استراتيجية حيوية تضمن تحقيق أهداف التنمية، وتحويل التحديات إلى فرص.