|

عام الساحوق … ودروس في شكر النعمة

الكاتب : الحدث 2025-09-04 12:28:59

بقلم ــ  محمد بن عبد الله العتيّق

 
في سنوات النضج من عمر هذا الوطن المبارك ، وتحديدًا في عام 1328 هجري، شهدت نجد والجزيرة العربية مجاعة لم يُعرف لها مثيل. كانت سنة قاحلة، جفت فيها الآبار، وشحّت فيها الأمطار، وماتت فيها البهائم من العطش والجوع. سميت تلك السنة بـ"عام ساحوق" أو "سنة المجاعة"، حينما كان الناس يأكلون الجير والأشجار وكل ما تهيأ لهم ليسدوا جوعهم القاتل، حتى مات النساء والأطفال والشيوخ من شدة القحط.

واليوم، في زمن الوفرة والرخاء الذي نعيشه، رزقنا الله نعمًا عظيمة تستحق الشكر. موائدنا عامرة بأنواع الأطعمة والمآكل والمشارب، ومع ذلك، نرى من يمارس الإسراف في الأكل. نجد من يتبرم من صنف معين من الطعام ولا يرغب به، ويسعى إلى نوع آخر، وكأن النعم لم تعد تُقدّر، بل وصل الحال بالبعض إلى أن يضع وليمة لخروف كامل لشخص واحد أو شخصين، ثم يقول "اعذرونا على القصور". فماذا بقي من التقدير والاعتدال؟

لقد قال الله تعالى: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين". وقال كذلك: "ولئن شكرتم لأزيدنكم". إن شكر النعمة لا يكون بالكلمات فقط، بل بالمحافظة عليها من خلال احترامها، وتوقيرها، وتقديرها. فليست النعم متاحة للجميع، ولنكن على حذر من أن نكون كالذين كفروا بأنعم الله فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف.

إن واجبنا هو أن نقتصد وألاّ نأخذ فوق طاقتنا من الطعام ثم نترك البقية ، فلو عاش أجدادنا الذين عانوا في زمن المجاعة ما نعيشه اليوم، لتعجبوا من حالنا. يقول أحدهم: "اشتريت مزرعة ووضعت فيها أنواعًا متعددة من النخيل، فأتيت بوالدي كبير السن و المُقعد إلى المزرعة وقلت له: يا أبي، انظر إلى هذا النخل، هذه برحية، وهذه روثانة، وهذه سكرية، وهذه خلاص". يقول: "فانتظرت من والدي أن يرفع رأسه لينظر إلى النخل، ولكنه أطرق رأسه والدموع تملأ عينيه". ثم قال لي: "يا ولدي، لقد عشنا في أزمان والله لا نجد التمرة إلا بالحسرة. وأنتم في نعمة يجب أن تراقبوا الله فيها وتشكروه".

إن هذه الكلمات يجب أن تبقى في ضمائرنا. علينا ألاّ نسرف، وألاّ نتباهى، وألاّ نكسر خواطر من لا يجد. فما الداعي لتصوير الولائم والمقتنيات الثمينة، وإظهار ما لدينا من نعم، في حين أن هناك من يتابعنا ولا يملك شيئاً؟ هذا التباهي يكسر القلوب، ويجرح المشاعر، وهو ليس من شيم أهل النعم.

فليتكلم من يتكلم، أنا لا يهمني رضا الناس، ولا يعنيني إعجاب فلان أو مدحه لمائدتي التي تحوي الكثير من صنوف الأكل والشرب . كل ما يهمني هو رضا الله عز وجل. إذا كان العمل الذي أقوم به يرضي الله، فهذا هو مقصدي ومرادي. أما ما عدا ذلك، فلا قيمة له.