|

" السعودية والصين " آفاق ثقافية وتعليمية

الكاتب : الحدث 2025-08-22 05:08:48

بقلم : البروفيسور تركي بن عبدالمحسن بن عبيد 
-------------------------------


تُعد العلاقات بين المملكة العربية السعودية والصين نموذجًا بارزًا للتعاون بين دولتين تجمع بينهما أوجه اختلاف وتشابه في الوقت ذاته. في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المملكة ضمن رؤية 2030، والطموحات العالمية للصين عبر مبادرة الحزام والطريق، برزت الآفاق الثقافية والتعليمية كمحورين أساسيين لتعزيز التقارب بين البلدين. يهدف هذا المقال إلى تحليل العلاقات الثقافية والتعليمية بين السعودية والصين، مع تسليط الضوء على المبادرات، التحديات، والفرص المستقبلية.

1. التعاون الثقافي: جسور الحوار بين الحضارتين
الثقافة تُعد جسرًا للتفاهم المتبادل، حيث تجمع السعودية والصين قيما مشتركة مثل احترام التقاليد، والأسرة، والمجتمع، رغم اختلاف السياقات التاريخية والدينية. شهدت العلاقات الثقافية بين البلدين تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة.

مبادرات التعاون الثقافي ..
- المعارض والمهرجانات الثقافية: أقيمت فعاليات ثقافية مشتركة، مثل المعرض الثقافي السعودي في بكين عام 2019، والذي عرض الفنون التقليدية والتراث السعودي. كما استضافت الرياض فعاليات ثقافية صينية، مثل عروض الأوبرا الصينية والفنون الشعبية.
- مبادرة طريق الحرير الثقافي: ضمن مبادرة الحزام والطريق، دعمت الصين تبادل الخبرات الثقافية مع السعودية، بما في ذلك معارض للتراث الصيني مثل فن الخط الصيني والفخار التقليدي.
- السياحة الثقافية: مع انفتاح السعودية على السياحة عبر تأشيرة الزيارة، أصبحت مواقع التراث مثل الدرعية والبتراء جاذبة للسياح الصينيين، بينما جذبت الأماكن التاريخية في الصين، مثل سور الصين العظيم، الزوار السعوديين.
- الإعلام والسينما: شهدت السعودية تعاونًا مع شركات صينية لإنتاج أفلام وثائقية تعكس التراث المشترك، بالإضافة إلى استضافة مهرجانات سينمائية مشتركة.


2. التعاون التعليمي: بناء اقتصاد المعرفة .
التعليم هو المحرك الأساسي للتنمية المستدامة، وقد أولت كل من السعودية والصين أهمية كبيرة لتطوير هذا القطاع من خلال التعاون المشترك.

مبادرات التعاون التعليمي ..
- برامج تبادل الطلاب: أطلقت السعودية برامج مثل برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، والذي شمل إرسال آلاف الطلاب السعوديين للدراسة في الجامعات الصينية، خاصة في مجالات الهندسة، الطب، والتكنولوجيا. في المقابل، تستقبل السعودية طلابًا صينيين في جامعات مثل جامعة الملك سعود.
- تعليم اللغة: انتشرت معاهد كونفوشيوس في السعودية، مثل تلك في جامعة الأمير سلطان، لتعليم اللغة الصينية. كما بدأت السعودية بإدخال تعليم اللغة الصينية في بعض المدارس ضمن رؤية 2030. بالمقابل، يتم تدريس اللغة العربية في بعض الجامعات الصينية.
- الشراكات الأكاديمية: تعاونت جامعات سعودية، مثل جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (KAUST)، مع مؤسسات صينية مثل جامعة تسينغهوا لتطوير أبحاث في مجالات الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة.
- التدريب المهني: أطلقت شركات صينية، مثل هواوي، برامج تدريبية في السعودية لتطوير المهارات التقنية في مجالات الاتصالات والتكنولوجيا الرقمية.


- تمكين الشباب: برامج التبادل تعزز مهارات الشباب وتفتح آفاقًا جديدة لهم في سوق العمل العالمي.

3. التحليل: التكامل بين الثقافة والتعليم .
التعاون الثقافي والتعليمي بين السعودية والصين يكمل بعضهما البعض. الفعاليات الثقافية تخلق بيئة مواتية للتفاهم المتبادل، مما يدعم الشراكات التعليمية. على سبيل المثال، تعلم اللغة الصينية في السعودية يسهل فهم الثقافة الصينية، بينما تعزز المعارض الثقافية الاهتمام بالدراسة في الصين. كما أن التعاون في مجالات البحث العلمي، مثل الطاقة المتجددة، يعكس تقاطع الثقافة العلمية بين البلدين.

في سياق رؤية السعودية 2030 ومبادرة الحزام والطريق، يمكن لهذه الشراكات أن تدعم التنمية المستدامة. على سبيل المثال، مشروعات مثل "نيوم" يمكن أن تستفيد من الخبرات الصينية في البنية التحتية، بينما يمكن للصين أن تستفيد من السوق السعودي الواعد في التكنولوجيا والسياحة.

4. التحديات المستقبلية والتوصيات .
- التحديات:
  - التوازن بين الحداثة والتراث: السعودية تسعى للحفاظ على هويتها الإسلامية بينما تتبنى التأثيرات العالمية، بينما تواجه الصين تحديات مماثلة في الحفاظ على تقاليدها.
  - الجيوسياسية: التوترات الدولية قد تؤثر على التعاون إذا لم تُدار بعناية.
  - الاستدامة: استمرارية البرامج تتطلب تمويلًا مستمرًا وإرادة سياسية قوية.

- التوصيات:
  - زيادة عدد معاهد كونفوشيوس في السعودية ومراكز تعليم اللغة العربية في الصين.
  - تنظيم منتديات ثقافية وتعليمية سنوية لتعزيز الحوار.
  - تطوير برامج مشتركة للبحث العلمي في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة.
  - تشجيع السياحة التعليمية من خلال برامج تبادل ثقافي طويلة الأمد.

5. الاستنتاج 
العلاقات الثقافية والتعليمية بين السعودية والصين تمثل فرصة ذهبية لبناء جسور التفاهم والتعاون. من خلال المبادرات الثقافية مثل المعارض والمهرجانات، والشراكات التعليمية مثل برامج التبادل والتدريب، يمكن للبلدين تعزيز مكانتهما كقوتين إقليميتين وعالميتين. في ظل التحديات العالمية مثل التغير المناخي والتحول الرقمي، يمكن لهذا التعاون أن يساهم في تحقيق تنمية مستدامة وشاملة، مع احترام الهوية الثقافية لكلا البلدين.